"ما هو الوطن ؟.. ليس سؤالًا تجيب عنه وتمضي.. إنه حياتك وقضيتك معًا ".. لم يبالغ شاعر الانسانية محمود درويش حينما وصف الوطن بأنه الحياة والقضية . فحياتنا تتلخص في رحلة سعي نحاول فيها أن نبني الوطن ونكون جزءًا منه وقضيتنا مرسومة علي علمه الذي نحيا ليظل مرفوعًا بإرادة وطنية وعزيمة راسخة . والشعوب وحدها من توجد الحياة وتصنع القضية. هي القادرة علي أن تستشعر مواطن ضعفها وألمها فتشخص المرض بشجاعة ثم تتناول الدواء المناسب بعيدًا عن المسكنات التي تحتفظ بالألم لتلقيه بالجسد من جديد . اندثر مفهوم "الرعية" ليحل محله مفهوم "الشعوب" فأصبح المواطن هو صاحب الكلمة والارادة وصانع القرار. حتي في دول الامبراطوريات والحكومات المستبدة الشعب هو من يختار ويقبل وإذا أراد أن يثور سيصنع التغيير. ووفق التطورات العصرية أصبحت "الدساتير" هي الشرايين التي تغذي أنظمة الحكم بما يختاره ويحدده الشعب. ولم تكتب الدساتير لتكون نصوصًا ثابتة بقدر ما تكون مرنة وفقًا لمتطلبات الزمن واحتياجات الدولة لتتابع خطواتها والطريق الذي رسمته لنفسها وإلا فإن الجمود ينعكس علي كل شيء فتظل الشعوب في مكانها تمجد نصوصًا جامدة لا تسمن ولا تغني من جوع. والشعب المصري يمثل نموذجًا واضحًا للشعب الواعي المدرك لحقوقه الدستورية والقانونية ولا يفرط فيها أو يتخاذل عن أداء واجبه الوطني حيث خرج إلي لجان الاقتراع ليدلي برأيه ويصنع قراره بكامل حريته واختياره ليثبت للعالم أجمع أنه قادر علي بناء الدولة الوطنية الحرة ودحض كل مؤامرات الخارج ومن لا يريدون خيرا بالبلاد. فمنذ ثورة 30 يونيو والشعب يضرب المثل الأعلي في المشاركة السياسية الفعالة حينما نزل إلي الشوارع والميادين ليمنح التفويض للدولة المصرية بإعلان الحرب علي الارهاب واقتلاع جذوره للبدء في إرساء قواعد الدولة علي طريق الاصلاح. خرج المصريون للمشاركة في التصويت علي استفتاء التعديلات الدستورية بكل أنحاء الجمهورية وحرص المصريون في الخارج علي المشاركة بقوة في التصويت حيث توافدوا علي لجان الاستفتاء رافعين علم مصر وجرت عملية التصويت في 140 مقرًا انتخابيًا ب124 دولة تتواجد بها البعثات المصرية في الخارج. واستمرت غرفة عمليات وزارة الخارجية في المتابعة علي مدار الساعة مع البعثات في الخارج والتأكد من اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لضمان سير عملية الاستفتاء والرد علي جميع الاستفسارات بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للانتخابات . تمت التعديلات الدستورية بشكل دستوري في كل الاجراءات المحيطة بها ولم يكن هناك ما يخالف القانون. وقامت علي حوار مجتمعي حقيقي شارك فيه السياسيون والنخب وأصحاب الرأي وتم تغيير صياغة بعض المواد وفقًا لآراء معارضة شهدتها جلسات الحوار المجتمعي حيث تحولت المقترحات إلي اللجنة الدستورية والتشريعية بعد مناقشتها في الجلسة العامة واستمر النقاش في اللجنة لثلاثين يومًا بحوار حر ومفتوح. فالسعي نحو الاستقرار يحتاج إلي وضع أسس وقواعد يتم السير عليها ومرحلة ما بعد الاستقرار تتطلب وجود تلك التعديلات . والتعديلات جعلت الدستور أكثر عدالة بتخصيص 25% من مقاعد البرلمان للمرأة وتأهيلها لتقوم بدور أوسع يتلاءم مع ما تصنعه المرأة من تأثير . فربع أعضاء الحكومة المصرية من النساء بوجود 8 وزيرات في حكومة واحدة لأول مرة في مصر.. استطعن إحداث تغيير في مجالاتهن. بالاضافة إلي الحفاظ علي تمثيل الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة والمسيحيين لنبني معا دولة عصرية تقوم علي أسس المواطنة. ولا تمثل التعديلات أي مساس باستقلال القضاء المصري بعد تعديل كافة البنود التي كانت تمثل مخاوف لدي البعض. وبقاء الرئيس في السلطة ليس استحقاقًا أو تكريمًا له ولكنه دور بدأه وينبغي اكماله. قال الشعب كلمته في لجان الاقتراع وأصبح الاحتكام الآن إلي الارادة الشعبية وحدها التي تسعي إلي تصحيح المسار وإعلاء راية الديمقراطية وإعلان المرور بمصر نحو طريق الاصلاح الاقتصادي الجذري والحقيقي الذي يمكننا من الذهاب إلي دولة قوية متعافية قادرة علي خوض سباق المنافسة في الساحة الاقتصادية . وأيًا كانت النتيجة فالأهم أن يكون صراعنا لأجل الدولة وليس عليها وأن نختلف لنتفق علي مصلحة الدولة ونظل يدًا واحدة . ومضات صوت الشعوب من الزئير مُجمّعًا.. فإذا تفرق كان بعض نباح أحمد شوقي أنا لا أوافق علي ما تقول. ولكني سأقف حتي الموت مدافعا عن حقك في أن تقول ما تريد . تشي جيفارا