خرج الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون لكي يشير بأصابع الاتهام صراحة إلي نجوم السينما في هوليود.. بنشر التدخين بين المراهقين ومايترتب عليه من الانزلاق الي دنيا المخدرات باعتبار السيجارة هي البوابة الأولي. في هذا الوقت كانت احدي الامهات المصريات ترفع أكف الدعاء ضد من كان السبب في تعلق ابنها بالسجائر.. بعد ان تجاوز الخامسة والعشرين من عمره ولم يكن يطيق رائحة الدخان وعندما تعرض لأزمة مع زوجته ورأي علي الشاشة نجم المسلسل يلجأ إلي السيجارة في السراء والضراء وينفث دخانها كأن فيها الدواء وهذا هو الوهم الذي باعته الدراما السينمائية والتليفزيونية الي الجماهير.. ورسمت صورته حتي استقرت في الاذهان.. فالمعلم لايكون صاحب هيبة الا بالشيشة.. وعند المشاكل والازمات يكون اللجوء إلي البار والخمر من أجل النسيان اقرب من اللجوء الي الله سبحانه وتعالي وهو القادر فوق عباده. اعتراف صريح .. ذهبت بالصدفة الي مكان تصوير احد المسلسلات وكان من تأليفي ووجدت ان البطل يمسك في يده بسيجار لايفارقه في المشهد أو المشاهد التالية وهمست إلي المخرج: كيف نتكلم في المسلسل عن الامور التي تلوث البيئة ثم.. يأتي البطل لكي ينفخ دخانه في وجه المتفرج بلا مبرر. وكان جواب المخرج ان هذا الفنان لايستطيع ان يعمل بدون سيجار أو سيجارة في يده.. لانه يحرق في اليوم الواحد اكثر من 150 سيجاره ولولا الملامة لامسك بها وهو نائم في سريره قلت له.. هذه مشكلته.. ولايجب ان نصدرها للناس.. وقمت وناقشت الفنان بشكل مباشر.. وللامانة انصت واقتنع وتوقف عن التدخين.. عند التصوير فقط.. وهذا اضعف الايمان. الحكاية وما فيها * وقصة السيجارة بدأت في الروايات وفي عبارات اصبحت متداولة مثل: "وأخذ يفكر واشعل سيجارة وسحب الدخان تتطاير أمامه" وجاءت السينما وساهمت الي حد كبير في نشر التدخين بفضل نجومها واشهرهم "جيمس دين" الذي كانت صورته يتم طبعها علي علب السجائر من باب الدعاية ومات في عز شبابه.. وفي مصرنا الحبيبة.. مات العشرات من نجوم الفن بسرطان الرئة.. بسبب الاسراف في التدخين ثم الشرب بعد ذلك الامر الذي انعكس علي صورة الفنان نفسه وساعد علي ذلك سلوك البعض في الوسط الفني مع ان الوسط فيه الخلوق والملتزم الذي يبلغ حد التصوف سواء من الرجال أو النساء.. وظلت صحائفهم بيضاء نقية والامثلة في ذلك كثيرة ولاتحصي ومنهم علي سبيل المثال: عفاف شعيب ونشوي مصطفي ورشوان توفيق وجمال اسماعيل ونهال عنبر وصابرين وعبدالمنعم مدبولي وغيرهم والفنان ليس ملاكا وليس شيطانا لانه يخطئ ويصيب وفي حياته الخاصة لانملك ان نحاسبه علي سلوكه ومن بين التدخين خاصة اذا خرج علي الملأ واعترف علي الملأ.. بان السيجارة كادت تقتله لكنه افلت منها.. وقد منعها: عادل امام ووحيد حامد وعبدالرحمن الابنودي لكن علي الشاشة الوضع مختلف.. ويتحول الامر من مزاج شخصي ضار باعتراف كل مدخن.. له ولمن حوله.. الي فعل قبيح خاصة اذا لم يكن هناك ما يبرره.. ولو اردنا ان نشير الي ادمان شاب للسجائر يكفي ان نري سحابات الدخان تغطي كل شيء حوله وهو يشعل وطفاية السجائر والاعقاب تملأ المكان في كل ركن.. وشتان بين ان نري نتيجة التدخين وان نري فعل التدخين نفسه وبصورة تحبب الناس فيه وتصور للمتفرج ان الانفاس فيها الخلاص. قتلي بالملايين * نشرت منظمة الصحة العالمية في احصائية أخيرة ان هناك قتيلا كل 6 ثوان يموت بسبب السيجارة الي جانب من يموت لادمان المخدرات بانواعها.. وتعترف الدكتورة "نسرين دبوس" رئيس جمعية "حياة بلا تدخين" ان السيجارة تقتل شخصا من كل 10 في العالم وثبت ان السيجارة هي مفتاح الادمان وجاءت الشيشة لكي تكون اكثر ضررا وتحولت الي موضة قاتلة بين الشباب من الجنسين وساهمت الدراما في نشرها.. الامر الذي رفع نسبة التدخين الي اكثر من 40% من مواطني مصر ومعدلات تدخينهم من 15-40 سيجارة يوميا. وقد ظهرت مؤخرا السيجارة الالكترونية وبدأ الترويج لها في الاعمال الدرامية مع شبان وشابات بخلاف الويسكي والشم والحقن وكلها يتم تقديم مشاهدها بالتفصيل وكأن الاعمال الدرامية تحولت الي اكاديميات لنشر الفساد.. والدليل علي ذلك ارتفاع نسب الادمان والتدخين مع كل لحظة.. وازدادت المسألة مع سيطرة انتاج القطاع الخاص علي المشهد الدرامي "سينما وتليفزيون" ومع ارتفاع سقف الحريات.. ومحاولة الربط بين حرية الابداع والتقليل أو تحجيم مشاهد التدخين بأنواعها وهي مسألة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.. لان الحرية لاتعني نشر السلوك المدمر.. ومهما كان التدخين ظاهرة موجودة في الشارع.. لكن علي الشاشة وبالصورة المبهرة التي يتم تقديمه بها.. الوضع مختلف وهذا ما اتفق عليه علماء النفس والاجتماع. * وفي ذلك قالت الاستاذة الدكتورة هدي زكريا ان كل من يربط بين الحرية والانفلات هو جاهل وارهابي لايريد لهذا الوطن ان يستقيم ويتقدم.. والتطور لايمكن ان يضعف المساطيل.. ومن لايقدر علي "لفافة" صغيرة كيف يقدر علي شياطينه الاخري والفرق بين انسان وآخر في درجة المقاومة للمفاسد من حوله.. ثم كيف يصبح الفنان قدوة وسلوكه علي الشاشة لايختلف كثيرا عن سلوكه في حياته الخاصة كما تقول الاخبار والمواقع وصفحات الحوادث. ** وقال عمنا العالمي نجيب محفوظ: التليفزيون اخطر أجهزة الاعلام واقواها تأثيرا.. خاصة في مجتمع تزيد فيه نسبة الامية علي 40%.. والمتفرج فيه سلبي لكل ما يتلقي.. بعكس تفاعله مع الكتاب والفيلم.. لان التليفزيون في بيته بل وفي غرفة نومه.. لذلك يجب الحرص في كل حركة وكل كلمة وكل تصرف علي الشاشة. النفس الأخير ** عندما تتحول أغلب المشاهد الي مدرسة "للكيف" يجب أن نقول بأن "الفن" قد تحول إلي "عار".. إلا قليلا!!