لقد أثني الله عز وجل علي عباده القليل. ومدحهم في مواضع من كتابه بقوله: "وما آمن معه إلا قليل". "وقليل من عبادي الشكور". و"قليل ما هم". "ولا يأتون البأس إلا قليلاً". وآيات أخري يذم فيها الكثير ويمدح القليل: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون. لا يشكرون. لا يؤمنون. فاسقون. يجهلون. معرضون. لا يعقلون. لا يسمعون" كما قال ابن القيم رحمه الله: "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين". فهناك شعور ينتاب الإنسان المؤمن. بأن يشعر أنه في زمن عم فيه الظلم. وانتشرت فيه الفواحش. وانتشرت فيه الفتاوي. وأصبح القابض علي دينه كالقابض علي الجمر. يشعر فيه المؤمن بالحيرة لكثرة الظالمين وكثرة الفاسدين وتوسوس نفسه بأن من المحال أن كل هؤلاء الناس علي خلاف الحق؟! أكثر هؤلاء الناس ليسوا علي الطريق المستقيم؟! ويتساءل دوماً أيهما علي حق: أنا أم هم؟ لئلا يقع أحد في هذا الصراع. لئلا يشعر أحد بأنه وحيد في هذا المجتمع التائه. لئلا يشعر أحد بأن الحق مع هؤلاء الأكثرية وليس مع الفئة القليلة التي هو منهم!. فتقول في قرارة نفسك: لعلي علي ضلال أنا وحدي! جاءت الآية الكريمة تؤكد أنك علي حق: " فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين" هذه الآية تدل دلالة قطعية علي أن الناجين قلة. وعلي أن المستقيمين قلة. وعلي أن الطائعين قلة". معني ذلك أن الفساد ظهر وعم. وأن هذه القلة القليلة تنهي عن الفساد في الأرض. لو عرضت أمرها علي الناس لرأوها فئة تائهة. لو أتيح لك أن تقبض مالاً كثيراً من شبهة. رفضته تتهم في عقلك. لو لم تتبع الباطل لاتهمت بالجنون. فاشعر بالسعادة إن كنت من القليل.. فالعبرة ليست في كثرة العدد. فليس بشرط حينما يجتمع الكثير علي أمر ما أنهم علي حق.