"كل اموال العالم" تبدو وكأنها جملة خارجة من أفلامنا الأبيض والأسود - نتخيلها في أداء دراماتيكي من أب قاس يعرض الأموال أو شابة تنفي حاجتها إليها - أما في حالة الفيلم الأمريكي المعروض حاليا تبدو كأنها جملة تنتظر التكملة: كل اموال العالم لا تحقق الخلود ولا تشتري الأمان؟ .. كل اموال العالم لا تضمن استقرار الأسرة ولا تبقي عاطفة أو دم؟ نحن - في كل الأحوال- أمام عنوان كاشف ومراوغ لفيلم تشويقي للمخرج ريدلي سكوت .كتبه ديفيد سكاربا مستلهما كتاب جون بيرسون "الثراء المؤلم..ثروات ومصائب ورثة جيه بول جيتي " وهم محور فيلمنا هذا. يقوم المخضرم كريستوفر بلامر بدور الملياردير الثمانيني الذي كون ثروته من التنقيب عن البترول في دول الخليج ويعود بنا الفيلم لفترة السبعينات ما بين ايطاليا وانجلترا عندما تعرض الحفيد المراهق لحادث اختطاف من عصابات المافيا في إيطاليا والمطالبة بفدية .. رفض الملياردير البخيل دفعها في حين لا يتردد في شراء لوحات وقطع فنية بالملايين..والفيلم في أغلبه صراع بين شخصيتين طاغيتين :الجد العنيد وأم الحفيد الذكية التي تقود محاولات إقناعه بالدفع أو جمع المال لاسترداد ابنها بطريقتها الخاصة وبينهما رجل المخابرات المفاوض پوالمُطارد كاسمه الأخير پ"فليتشر شيز". متعة الفيلم نكتشف أنها ليست في مشاهد المطاردة في الغابات لاسترداد الابن والتي ينفذها بإقتدار المخرج كاشفا التناقض الشديد بين حياة الحفيد ووضعه القاس لدي المختطفين . وليست المتعة أيضا في التنقل الذكي بين التركيز الاعلامي علي حادث الاختطاف مقارنة بقلة الاهتمام الذي يبديه الجد نحو اختطاف حفيده واكتفائه بإرسال رجله الخاص ليحل الأمور بأقل تكاليف.. انما المتعة الحقيقية في مراقبة الأداء التمثيلي للبطلين وصراع لفرض الإرادة أو علي الأقل التفاوض بين الجد والأم في شخصيات طاغية بحضورها علي الشاشة وقوة منطقها وليس بالعاطفة التي تبدو من أول الفيلم وكأنها ليست من صفات عائلة جيتي . حيث قدمها الحفيد للمشاهد قائلا أنها تشبهنا ولكنها ليست مثلنا .."وكأنهم قادمون من كوكب اخرپتكون فيه الجاذبية قوية لدرجة كسر الضوء.. وكسر البشر!". وعلي مدار أكثر من ساعتين نتحمل عناد الجد وإصرار الأم ومعاناة الحفيد في فيلم يفترض أنه تشويقي ولكن افتقاده للعاطفة كمحرك للشخصيات أفقده الكثير من الجاذبية .. فحتي الأم ورغم إصرارها واعتبارها الشخصية الوحيدة الند للجد الذي لم يسامحها علي رفضها ماله واختيارها أطفالها إلا أنها لم تبدو لنا في لحظة منهارة لدرجة تعجب مصوري البابارتزي "لماذا لا تبكي؟" يحرك الأم حياد شديد بينما يحرك الجد سخرية تجعل المشاهد يعجب منه وبه.. وفي نهاية الفيلم يبدو لنا الفيلم بعيدا عن أفلامنا الأبيض والأسود الميلودرامية بعاطفيتها المدرة للدموع وليس أيضا كأفلامنا البوليسية حيث انتظار فاعل حقيقي مستتر لجريمة الخطف.. ليس هذا ولا ذاك وبالتالي لا يحتاج العنوان إلي تتمة كما اعتقدنا في البداية فنحن أمام فيلم هوليوودي يقول لنا إن كل أموال العالم ذهبت ممن يكنزها لمن يزهدها. اللافت أن الفيلم لقي صعوبات أثناء التنفيذ منها استبعاد بطله كيفين سبايسي وكان يؤدي دور الجد بعد عاصفة اتهامه بالتحرش فتم إعادة التصوير بكريستوفر بلامر .. ولم تهدأ العاصفة إلا ثارت أخري جديدة في أعقاب المطالبات بمساواة الممثلات بالممثلين في الأجور بعد الكشف عن أن مارك ولبرج في دور رجل المخابرات تقاضي من أجل إعادة التصوير أضعاف بطلة الفيلم ميشيل ويليامز. واعتقد ما سيبقي بعد مشاهدة الفيلم هي كل هذه الأخبار الساخنة أكثر من قصة الفيلم أو أثره مقارنة بأفلام المخرج الأخري حتي إذا كانت الجوائز قد أنصفت الاختيارات . فالبطل البديل كريستوفر بلامر ترشح لأوسكار أحسن ممثل مساعد والمخرج المحنك ريدلي سكوت الذي قاد الفيلم عبر المصاعب ترشح لجائزة جولدن جلوب لأحسن مخرج تماما كالبطلة الموهوبة ميشيل وليامز التي ترشحت للجولدن جلوب كأحسن ممثلة.