في محيط مركز شهير للأشعة بحي المهندسين بالجيزة وقف الرجل الريفي المريض يطلب من المارة مساعدته لاستكمال ثمن الأشعة التي حضر من الفيوم لإجرائها بعد أن رفع مركز الأشعة الأسعار مع بداية عام 2018. وقفت بالقرب من المريض لمدة دقائق أراقب رد فعل من يسألهم مساعدته ولم يستجب لهپأحد ظنا منهم بأنه متسول يستخدم حيلة من حيل المتسولين التي تعودنا عليها فذهبت إليه وسألته: ما هو الفحص الذي ستجريه هنا فأعطاني روشتة فهمت منها أنه يعاني من ورم وجاء من بلدته لعمل أشعة مقطعية بالصبغة علي بطنه. سألته: هل أنت في حاجة الي هذا الفحص بالفعل؟ فنظر الي الرجل غاضبا وقال: لست متسولا ولكن المركز رفع الأسعار فجأة رغم أنني عملت هذا الفحص هنا منذ عدة أشهر ورفعوا سعره لأكثر من ألفين ولا يوجد معي منهم سوي 1500 جنيه كنت أظن أنني سأعود ببعضها ورفضوا إجراء الفحص إلا بعد دفع ثمنه كاملا !! دخلت أنا وأحد المارة مع المريض الي مركز الأشعة وساعدناه علي إجراء الفحص ليبقي السؤال المهم هنا: ماذا يفعل الفقراء ومحدودو الدخل في مصر أمام الارتفاع الجنوني لأسعار الفحوص الطبية من تحاليل وأشعة وغيرها.. فضلا عن أجور الأطباء التي ترتفع دون مبرر ولم يعدپيحكمها ضابط وبعد أن تجرد كثير من الأطباء من إنسانيتهم ورفعوا أجورهم بشكل مبالغ فيه ولا يتناسب مع ظروف معظم المرضي في مصر؟ هذه التساؤلات وغيرها لم تعد تشغل وزارة الصحة ولا نقابة الأطباء فالجميع يغمض عينه عما يحدث من طمع وجشع واستغلال في سوق "تجارة المرض في مصر" والذي غابت عنه الرقابة والأمانة وأصبح ينافس أسواق الخضار واللحوم وغيرها من الأسواق في الفوضي والعشوائية. ****** في مركز الأشعة سألت الموظف عن قيمة الزيادة التي تمت علي أسعار الأشعة في عام 2018 فقال: لا أعرف بالضبط إسأل الحسابات ولكنها تقريبا في حدود 20%.. وأردف قائلا: كل حاجة زادت يا أستاذ بسبب الدولار!! .. قلت له سعر الدولار الآن أقل من سعره في بداية 2017 فكيف تحملون الدولار مسئولية جشعكم واستغلالكم.. فصمت الموظف ولم يرد. وهكذا يحمل كل الاستغلاليين في مصر- وما أكثرهم- تحرير صرف الدولار مسئولية ما نعاني منه من غلاء فاحش واستغلال للفقراء ومحدودي الدخل أمثالنا حتي في أسعار الخضر والفاكهة التي تنتج محليا وعلاقتها بالدولار علاقة مزورة ومشبوهة!! الغريب والعجيب أن استغلال المرضي يتم يوميا في كل المستشفيات والمراكز الطبية بكل مستوياتها دون تدخل من الدولة ممثلة في وزارة الصحة وأجهزتها الرقابية التي أنشئت أساسا لحماية حقوق المرضي.. ولكنها تفضل دائما أن تظل متفرجة وأحيانا راعية لجشع المستشفيات والأطباء!!.. أما نقابة الأطباء فأصبحت معنية بتوفير فيلات وشقق فاخرة ومصايف للسادة الأطباء في الداخل والخارج ولم تعد تلتفت الي معاناة الفقراء ومحدودي الدخل مع الأطباء الذين يتسابقون لجمع الثروات والعقارات والمزارع أكثر من سباقهم لتحصيل العلوم والمعارف والخبرات الطبية الجديدة. ******* والسؤال المهم هنا: لماذا يقف البرلمان وهو أعلي سلطة رقابية وتشريعية في مصر موقف المتفرج من مشكلة "تجارة المرض"؟ ولماذا لا يخصص بعض جلساته لمناقشة المشكلة التي يصرخ المرضي وأسرهم منها يوميا؟ ولماذا لا يكلف لجنة الصحة به بتقديم مشروع قانون لمواجهة جشع المستشفيات والمراكز الطبية والأطباء في بلد معظم مواطنيه الآن يحملون كل الأمراض نتيجة ما يتناولونه يوميا من طعام فاسد وما يحيط بهم من تلوث وما يسيطر عليهم من هموم ومشكلات.. والأخطر من كل ذلك التشخيص الخاطيء لصغار وكبار الأطباء الأمر الذي يعرض المرضي لمضاعفات خطيرة وأزمات صحية لا تتوقف. مجلس النواب بالتأكيد يستيطع بتشريعاته أن يواجه جشع وعبث المستشفيات والمراكز الصحية والأطباء لو أراد.. ومن وقت لآخر أقرأ صرخات لبعض النواب من معاناة المرضي مع المستشفيات والأطباء ومن المؤسف أن هذه الصرخات لم ترق حتي الآن الي التفكير في تشريع حاسم يضع حدا لجشع المستشفيات التي تحولت الي مشروعات استثمارية لا تستهدف سوي الربح ويسيطر علي القائمين عليها مفاهيم استثمارية كالتي تسيطر علي تجار شارع عبد العزيز. ******** ما نعرفه ويصدعنا به الأطباء ونقاباتهم هو أن الطب مهنة إنسانية راقية تستهدف أولا مساعدة المرضي في تخفيف معاناتهم حتي يقضي الله أمرا كان مفعولا وأن الأطباء قد أقسموا علي مساعدة مرضاهم وبذل أقصي الجهد في تخفيف معاناتهم مع الالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة وهي بالفعل آداب وأخلاقيات سامية.. وما تتشدق به وزارة الصحة كل يوم أنها تتابع وتراقب من خلال أجهزتها المختلفة أداء المستشفيات والأطباء وتضبط إيقاعها بما يحمي حقوق المرضي فقيرهم وغنيهم.. وما نعرفه أن نقابة الأطباء ليس هدفها حماية حقوق الأطباء فقط.. بل حماية حقوق المرضي ومحاسبة الأطباء المتجاوزين والمخالفين لآداب المهنة وأخلاقياتها. والحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها هنا هي أن كثيرا من الأطباء لا يلتزمون بآداب وأخلاقيات مهنة الطب ويمارسون أعمالهم اليومية بمنطق تجاري استثماري وبعضهم ينافس تجار المخدرات في جمع الأموال.. كما أن وزارة الصحة لم تستطع ضبط سوق الطب في مصر وحمايته من الاستغلال.. أما نقابة الأطباء فهي مجرد نقابة خدمات للأطباء ليس أكثر ولا يشغلها شكوي المرضي ومعاناتهم اليومية مع الأطباء.