عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تألمت كثيرا لرسالة سيدة تشكو أشقاءها لخالقهم بعد أن حرموها من حقها الشرعي في ميراث والدها واستغلوا توكيلا من الأب وباعوا لأنفسهم كل التركة وتركوها للمرض وحاجة بناتها للزواج بعد رحيل زوجها الموظف البسيط. شكوي السيدة أشقائها لله سبحانه في كلمات مؤثرة للغاية حظيت بتعاطف الآلاف من المصريين وتعليقاتهم وعرض بعضهم مساعدة السيدة الأرملة علي تزويج بناتها.. وتطوع بعض المحامين للدفاع عن حقها المنهوب من جانب أشقائها.. ولكن السيدة رفضت بشدة مقاضاتهم والوقوف أمامهم في ساحات المحاكم واكتفت بالقول" فوضت أمري لله وهو حسبي ونعم الوكيل.. ربنا يهدي اخوتي وأنا مسمحاهم لو ظلوا علي طمعهم في حقي وحق شقيقتي". والواقع أن شكوي هذه السيدة المسكينة تجسد حالة مصرية غريبة وشاذة. فالشعب المصري الذي عرف بتدينه وحرصه علي الحلال وخوفه من الحرام لا يزال يظلم نساءه ويهدر أهم حق من حقوقهن المادية وهو الحق في الميراث الذي قرره الخالق في نص قرآني محكم لا يقبل التأويل وانكاره أو إهماله بتعمد يخرج بمن يفعل ذلك عن دائرة الإيمان والعياذ بالله. علماء الشريعة الإسلامية من جانبهم يدينون هذا الجحود ويؤكدون في العديد من الفتاوي أن الحرمان من الميراث جاهلية لا تزال تسيطر علي عقول كثير من المصريين ويحذرون من العقاب الإلهي الرادع والقاسي الذي ينتظر قساة القلوب الطامعين في حقوق شقيقاتهم كما ينتظر كل أب جاحد قاسي القلب ميت المشاعر يخص أبنائه الذكور بتركته في حياته ويحرم فلذات كبده من البنات من حق قرره الخالق سبحانه ولا حق له ولا لغيره في حجبه. ****** الإحصاءات والتقارير الاجتماعية تؤكد أن نسبة تزيد علي 60% من النساء في الريف يحرمن من حقهن في الميراث بسبب عادات وتقاليد ظالمة وغياب الضمير الديني وموت الضمير الإنساني.. ولو صح هذا الرقم أو زاد أو قل تظل هذه الظاهرة مسيئة للشعب المصري.. ذلك الشعب الطيب الذي يحتضن الأزهر الشريف وينطلق من بينه علماء ودعاة ينشرون عدالة الإسلام وتشريعاته المنصفة للمرأة بين المسلمين في كل بلاد العالم. المصريون الذين عرفوا بالعدل والتسامح والرفق بالبنات وتعليمهن واتخاذ كل الاحتياطات اللازمة عند تزويجهن والتغني بحنانهن لا ينبغي أن يظلوا أسري لهذه الجاهلية التي تجلب لهم غضب الله وعقابه. بل ينبغي أن يعودوا جميعا الي رشدهم الديني والأخلاقي والإنساني ويقولوا لشريعة الله "سمعا وطاعة" ويمنحوا كل بنت حقها الشرعي الذي قرره الخالق سبحانه. وهنا لا ينبغي أن تظل التوعية الدينية وحدها هي المحفز لمنح المرأة حقها في الميراث. بل ينبغي سن تشريعات حاسمة وعادلة تكفل لكل بنت حقها في الميراث وتعاقب كل من تسول له نفسه مصادرة حق شقيقاته تحت أي مبرر أو المماطلة في تسليمه لمستحقيه. علي كل رجل طامع في حقوق شقيقاته أن يعلم أنه يقطع رحمه ويأكل أموال أقرب الناس إليه بالباطل وأن عقاب ذلك شديد ومؤلم ليس في الآخرة فقط ولكن في الدنيا أيضا.. فما أكل رجل حق شقيقاته إلا وجعل الله ما أكله وبالا عليه وعلي أولاده وسوف يندمع كل طامع ظالم يوم لا ينفع الندم. لا ينبغي أن يدفع أخ شقيقته الي الوقوف أمامه في ساحات المحاكم لتطالب بحقها في الميراث وتطبيق نصوص القانون رقم 77 لسنة 1943 وتعديلاته والتي تقضي بحبس وتغريم كل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث.. بل ينبغي أن يكون لدي الأخ ضمير حي وكرامة ويمنح شقيقته حقها الشرعي في مناخ من الود والمحبة وصلة الرحم. ****** سألت الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر عن حكم الشرع في حرمان امرأة من حقها في الميراث. قال: الإسلام كفل للمرأة كل حقوقها المادية والمعنوية. ورسول الله صلي الله عليه وسلم أوصي بالمرأة خيرا وحارب التقاليد الظالمة التي سادت في الجاهلية وحرمت المرأة من كثير من حقوقها.. مادية كانت أو معنوية. ويضيف: حرمان المرأة من ميراثها عدوان صارخ علي شرع الله وظلم سيحاسب الله كل من يقترفه. والرجال ليسوا الأحق بأملاك الأسرة من النساء كما يعتقد أو يتوهم البعض. وكل فرد من أفراد الأسرة- ذكرا كان أو أنثي- ينبغي أن يحصل علي حقوقه الشرعية وفق ما قرر الخالق سبحانه. وأي تعديل أو حرمان للمرأة من حقها في الميراث الشرعي هو عدوان صارخ علي شرع الله يجب أن تقف كل المؤسسات الدينية والقضائية في وجهه إقرارا للحق والعدل وتحقيقا لاستقرار المجتمع. ويقول: واجبنا التصدي لمن يتجرءون علي حدود الله ويبغونها عوجا وهم في الحقيقة يأكلون أموال الناس بالباطل ويقطعون الأرحام بهذه المظالم. فهم هنا يأكلون أموال أخواتهم اليتيمات وقد توعدهم الله تعالي ضمن ما توعد الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما في قوله عز وجل: "إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" ولهذا يجب ردعهم بكل وسائل الردع حتي ولو كانت ممثلة في السجن والغرامة. ** اتقوا الله في نسائكم وكفوا عن ظلمهن وأكل حقوقهن واعلموا أن الحرام سيأكل الأخضر واليابس ويجلب لكم العقاب والخزي في الدنيا والآخرة.. وما أحقر من رجل يأكل حق شقيقته.