للتشدد الديني علامات ومظاهر. ومن السهل علي الانسان سليم الفطرة ولو لم يكن مثقفا في الدين أن يكتشف المتطرف من الوسطي. وأن يعرف المعتدل من المتشدد. فالإسلام دين الفطرة وتعاليمه جميعها بنيت علي الوسطية والاعتدال. وأحكامه كلها تدور مع المصالح العامة للمسلمين وجودا وعدما. الباحث الشرعي د.عمر عبد العزيز أمين الفتوي بدار الافتاء يوضح لنا هنا أعراض ودلائل وعلامات وملامح التطرف والتشدد الديني لكي نستطيع أن نتعرف علي المتطرف أو المتشدد فنحذره ونتجنبه. بل نقاومه ونكشفه للمحيطين به لو كانت لدينا القدرة العلمية والثقافية.. فهذا شكل من أشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المطالب به كل مسلم في حدود إمكاناته وقدراته. غلو في ممارسة الشعائر ويحدد لنا د.عمر عبد العزيز علامات ودلالات التطرف في 8 نقاط رئيسة أولها: "الغلو في ممارسة الشعائر" فإصرار المتشددين علي الغلو يصل إلي حد الهوس في ممارسة شعائر بعينها. ومحاربة شعائر أخري منتشرة في المجتمع وإن كانت صحيحة. يقول د.عمر: ديننا يلزمنا بالتيسير. فالله عز وجل يقول: "يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ". والنبي صلي الله عليه وسلم يقول: "إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يكره أن تؤتي معصيته". و"ما خير رسول الله صلي الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا". أما أصحاب التشدد والغلو فما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أشدهما زعما بأن هذا يؤدي الي "متانة الدين" ونسوا أن الإخلاص وحسن النية وصدق الاتباع وموافقة الشرع هو مدار قبول العمل.. ولو كان ذلك مسلكًا فرديًّا لتركوا وشأنهم ولكنهم يريدون إلزام جميع الناس برأيهم وإن جلب عليهم الحرج والعنت. ومن التشديد علي الناس- كما يوضح أمين الفتوي - محاسبة الناس علي النوافل والسنن كأنها فرائض. وعلي المكروهات كأنها محرمات. وتعظيم بعض الصغائر. وعدم الاهتمام ببعض الكبائر» كالربا والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل وشهادة الزور والغيبة والنميمة والحسد والحقد والإضرار بالناس وافتراء الأكاذيب عليهم. وما من عالم خرج عن خط التشديد ودعا إلي السعة والتيسير وأفتي بما هو أرفق للناس وأبعد للحرج عنهم في ضوء أحكام الشرع ومقاصده» إلا وُضع عندهم في قفص الاتهام. ووُصف بالتحلل والتسيب وغير ذلك من الأوصاف القبيحة. التعصب للرأي: ثاني هذه العلامات التي تدل علي التشدد الديني والانغلاق التام وازدراء الآخر وكراهيته "التعصب للرأي" فالمتشدد إنسان عاجز عن النقاش. يتكلم بمفرده دون أي حوار!! يقول د.عمر: التعصب للرأي والنفس من أول دلائل التشدد» حيث لا يعترف المتشدد للآخرين بوجود. ويحجر علي آراء مخالفيه ويلغيها» فهو يثبت رأيه. ويتعصب لنفسه. وينفي كل ما عداه.. ويزداد الأمر خطورة حين يريد فرض رأي علي الآخرين بالقوة والغلبة عن طريق الاتهام بالابتداع أو بالكفر والمروق. وهذا الإرهاب الفكري أشد تخويفًا من الإرهاب الحسي. والتعصب للرأي أو الفكر أنانية وظلم للنفس وانتصار للهوي وانحراف عن الحق» لأن المتعصب يرفض الحق ولو ظهر له» فهو محجوب البصر إلا من زاوية الرؤية التي حصر نفسه فيها» حيث لا يري إلا من خلالها. تقديس الأشخاص والجماعات والأفكار من مظاهر التشدد التمحور حول أشخاص وجماعات لا يقبلون نقدهم» ولو كان نقدًا علميًّا نزيهًا. ويحملون حملات عنيفة علي مخالفيهم تحت ستار الانتصار للشريعة. وما هو إلا انتصار للأهواء والآراء والأغراض والمصالح الشخصية والمادية والرغبة في الحكم تحت شعار الدين. ويشوهون كل شيء ويسلكون كل السبل من أجل الشخصية التي تمحوروا حولها وفُتنوا بها إلي درجة تأليهها وادعاء العصمة لها. وهكذا يصنع هؤلاء مقدسات خاصة لهم تحوطهم بأقصي درجات التعنت. وصار عندهم من الحتمي وضع القواعد الحاسمة وعدم ترك أدني شك لمتبعي فكرهم حول ماهية تفسير النصوص والاختلاف في الأحكام. وتصير الأولوية المطلقة عندهم هي التأكيد علي استقامة عقيدتهم. والتي تعني بالنسبة لهم بالطبع "العقيدة الصحيحة". التقليد الأعمي ينشأ التقليد الأعمي عن التعصب أو الثقة المطلقة الكاملة بالإمام المقلد أو الثقة بمنهجه أو طريقة اجتهاده» فالمقلد للإمام دون بصيرة في كل خطوة يخطوها يقع في كل الأخطاء التي يقع فيها إمامه تلقائيًّا. يقول د.عمر: التقليد في أمور الفقه ضرورة شرعية» لأننا لا نستطيع أن نوجب علي كل إنسان أن يكون مجتهدًا. ولو فتحنا باب الاجتهاد لأي إنسان لوقعنا في أخطاء لا حصر لها. فالواجب علي المقلد الذي ليس أهلاً للاجتهاد أن يقلد إمامًا مجتهدًا مشتهرًا بالعلم والدين» كشأن الأئمة الأربعة الذين دونت مذاهبهم وحررت ونقحت وتلقتها الأمة بالقبول.. أما أن يقلد الإنسان جاهلا متعصبا لا علم له ولا زاد من فقه. وليس موثوقا بعلمه وعقله كما يفعل هؤلاء الجهلاء- فهذا هو التقليد الأعمي والسلوك الجاهل الذي لا يقره شرع ولا عقل. الاتجاه للعزلة يعلم المتشددون أنهم أقلية وأنهم معزولون ومنبوذون. وسط مجتمع متطور حضاري. ومن ثم كانت محاولتهم الإبقاء علي تلك البذرة المتشددة بعيدا عن مواطن التأثير. وهكذا تميل جماعات المتشددين إلي أن تجد لنفسها حيزًا ضيقا. وتنمو الأسر وتتفاعل فيما بينها محمية بجدران رمزية كالزواج بين الأتباع كما يفعل الاخوان وبطرق التربية المستقلة المرتكزة علي المدارس الدينية