الغاية لا تبرر الوسيلة وإذا كانت الغاية شريفة ومشروعة فلا بد أن تكون الوسيلة كذلك شريفة ومشروعة والفقير عندما يأخذ إنما يأخذ حقه الطبيعي سواء من جانب الدولة أم من جانب أهل الفضل الذين منَّ الله عليهم بواسع فضله ويؤدون حق الله تعالي فيه ولا منة لأحد علي فقير إنما الفضل والمنة لمن وهب لنا العطاء فقال سبحانه : ¢يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ¢ "الحجرات : 17" ويقول سبحانه : ¢وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ¢ ويقول سبحانه : ¢ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ¢ "الحديد : 7" فالمال مال الله والعطاء إنما هو من فضل الله والشكر قرين دوام النعمة وزيادتها وكفران النعم إيذان بزوالها حيث يقول الحق سبحانه : ¢ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدى¢ "إبراهيم : 7" ويقول سبحانه : ¢ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةي أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةي مِئَةُ حَبَّةي وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعى عَلِيمى¢ "البقرة : 262" ويقول سبحانه : ¢ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْري يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ¢ "البقرة : 272" ويقول سبحانه : ¢هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ¢ "محمد : 38" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : ¢ إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ أَقْوَامي نِعَمًا يُقِرُّهَا عِنْدَهُمْ مَا كَانُوا فِي حَوَائِجِ النَّاسِ . مَا لَمْ يَمَلُّوهُمْ فَإِذَا مَلَّوُهُمْ نَقَلَهَا مِنْ عِنْدَهِمْ إِلَي غَيْرِهِمْ¢ "المعجم الأوسط للطبراني" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : ¢ ثَلَاثَةى أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ¢ ويقول "صلي الله عليه وسلم" : ¢ ما من يوم إلا وينادي ملكان يقول أحدهما : اللهم أعط منفقًا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا¢ فالفقير إنما يأخذ حقه الذي افترضه الله له في مال الغني أو أوجبه عليه أو حثه عليه حيث يقول الحق سبحانه : ¢ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابي أَلِيمي¢ "التوبة : 34" ويقول سبحانه : ¢ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ¢ "المدثر: 42 - 44" ويقول سبحانه : ¢ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَي طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلى لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ¢ "الماعون : 1-7" ويقول سبحانه : ¢ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ¢ "الضحي : 9-11" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" : ¢ مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانًا وَجَارُهُ جَائِعى إِلَي جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ¢ ويقول : ¢ ويقول "صلي الله عليه وسلم" : ¢مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرى فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَي مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلُ زَادي فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَي مَنْ لَا زَادَ لَهُ¢ . ومن ثمة فإننا لسنا في حاجة أبدًا إلي المتاجرة بمشاعر وأحاسيس الفقراء والمحتاجين ولا بالمبالغة في عرض بعض مشكلاتنا المجتمعية مما قد يسيء لصورتنا الإنسانية والحضارية والاقتصادية في الداخل والخارج بقصد أو بلا قصد وكما قال الشاعر : فإنْ كنْتَ لا تدرِي فتلكَ مُصيبةى وإنْ كنتَ تَدْرِي فالمصيبةُ أعْظَمُ ففعل الخير لا يحتاج سوي تحريك ما كمن في نفوس أهل الخير والتذكير بالواجب الديني والوطني والإنساني دون إسفاف في عرض المشكلات أو الابتذال في عرض حاجات أصحاب الحاجات التي من حقها أن تقضي ومن واجبنا أن نقضيها دون أي امتهان لكرامة الإنسان بغض النظر عن ضعفه ومسكنته ومدي حاجته لأن الإنسان لا يخلو من أن يكون معطيًا أو آخذًا فمن جعله الله معطيًا فليوف حق الله تعالي عليه لأن الله "عز وجل" قادر علي تبديل الأحوال فغني اليوم قد يكون فقير الغد وفقير اليوم قد يكون غني الغد ¢وتلك الأيام نداولها بين الناس¢ ويقول الحق سبحانه : ¢وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا¢ "النساء : 9" بل وليفعلوا فعلا رشيدا . ونؤمل أن تكون هناك آلية لمراجعة الإعلانات واعتمادها بما يحقق رسالتها الراقية في دعم أصحاب الحاجات ولكن دون أن نخدش حياءهم أو إنسانيتهم أو أن نتاجر بأوجاعهم أو نشوه جانبًا من الصفحة الحضارية الراقية لوطننا الأبي .