علي حين غرة.. خدعتني ماكينة صرف النقود بمدخل مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر "الجمهورية".. استقبلتني مهللة تضيء فمها الأخضر بومضات ترحاب غير معهود وقرأت في وجهها من فضلك أدخل الكارت وما إن وضعت كارت الفيزا الأخضر حتي ابتلعته.. ورغم كل محاولاتي وتوسلاتي.. لم تستجب الماكينة.. وحتي تقطع عليّ الطريق أخرجت لسانها.. وكتبت "الماكينة معطلة"!!! ورغم حساسية الوقت.. وتعلقي بلحظات طبع الجريدة.. فقد وقفت إلي جوار غرفة الماكينة لعلها ترضي أو أجد حلا. أخيرا.. رأيت رقم خدمة العملاء.. قلت.. إنه النجدة.. وليتني ما طلبته.. لقد وضعني لأكثر من ربع ساعة في الانتظار.. وهي فرصة اخترعها البنك لكي يفرض عليك الكثير من الفواصل والإعلانات. وأخيرا جدا.. أحد الأفراد المحترمين بخدمة العملاء يرد.. وليتني ما انتظرته ولا طلبته.. لقد ظل لأكثر من 10 دقائق في أسئلة.. واستفسارات ولم يبق إلا أن يسألني عن لون الفانلة التي ارتديها معللا هذا السيل من الأسئلة "..." بأنها امتثال للتعليمات. ووجدت نفسي أمام قرار لا بديل عنه وهو إيقاف كارت الفيزا.. والمفاجأة.. التي كشفها لي موظف خدمة العملاء أنه سيتم خصم 15 جنيها من حسابي مقابل الفيزا الجديدة.. يا الله.. الماكينة تسرقني.. والبنك صاحبها يبتزني وقلت في نفسي.. لو أنني مع بنك يؤمن بقيمة الإنسان.. لقام البنك فورا بإرسال أحد ممثليه يعتذر عما قامت به ماكينته العجوز الشمطاء من سرقة.. ويهيئ في التو واللحظة بدائل للصرف فورا.. فما ذنب مواطن ذهب للماكينة كي يدفع أجرة طبيب أو حساب مستشفي أو إكرامية حانوتي؟!! وبحسبة بسيطة وجدت أن أكثر من 35 دقيقة ضاعت بين ماكينة خادعة.. ورقم طوارئ يعكنن أي إنسان وبنك متعطش للابتزاز ويطلب الفدية عن كارت فيزا سرقته ماكينته.. وسألت نفسي.. ما هو الفرق إذن بين سلوك البنك وبين من يخطف الأطفال لطلب فدية.. أو هؤلاء القراصنة الذين أطلقوا فيروس "واناكراي" ولا يفرجون عن الضحية إلا بعد دفع الفدية.. إنه ابتزاز!! ولا تتوقف المعاناة عند هذا الأمر.. بل تحتم عليّ الذهاب إلي فرع البنك الذي يتبعه حسابي.. وأجد طابورا آخر ممن ينتظرون الدخول إلي اثنين من موظفي خدمة العملاء كان الله في عونهما. وبعد ذلك كله.. عليك الانتظار 10 أيام أخري حتي يصدر الكارت الجديد. إنها رحلة عميل.. تألم لبنك عريق أنجب لمصر محافظ البنك المركزي "بنك البنوك".. وأزعج ضميره ماكينة لم تراع أبسط قواعد "العشرة" و"العيش والملح" فهي تشاركنا جزءا من مدخل المؤسسة.. نلقي عليها التحية كل صباح.. ونودعها كل مساء.. لأكتشف أنني لست وحدي الذي خدع بضحكة الماكينة الشمطاء.. وإنما سبقني الأستاذ الكبير عبدالوهاب اليرقاني الذي قبل أسبوع ابتلعت الماكينة نفسها الكارت الخاص به.. والسؤال متي تحترم مؤسساتنا المالية عملاءها.. وتقدر آدميتهم وحقوقهم في الإيداع والسحب بحرية.. وإلي متي تظل ماكينات الحياة لدينا بلا صيانة كافية.. وتظل مصالح العباد وأوقاتهم رهنا بوعي مفقود هنا.. أو هناك؟! إنها أسئلة من وحي الماكينة.. والفيزا.. والبنك.. فهل من مجيب؟