تغيرات كثيرة شهدها المجتمع المصري بعد ثورتين تركت آثاراً كبيرة علي سلوكيات المواطنين ومنظومة القيم وشكل الأطر الثقافية والاجتماعية فارتفاع معدلات الجريمة كشفت عن موجة عنف تجتاح المجتمع وكان لابد من معرفة هل للثورات دخل فيما يحدث؟ حتي بعد اعتياد رؤية الدم في مشهد يتكرر يومياً وصار السلاح لغة رسمية في الشارع بل امتد وطال الأسر المصرية وكثرت حالات قتل الأب لابنه وقتل الولد لأمه وحالات كثيرة يشيب لها الولدان فما كان لنا إلا البحث وراء تلك الجرائم التي أصابت المجتمع وأصبح المشهد المتكرر هو العنف الأسري وأنواع الجرائم الأخري. تشير الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إلي أن الثورات بريئة من انفلات القيم وزيادة نسب الجرائم حيث كانت أهدافها سامية تنادي بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية ولكن ما يحدث يرجع لعديد من الأسباب حدثت في الآونة الأخيرة لطغيان المادة علي الحياة الأسرية فأصبح كل فرد يستغل الآخر مادياً فالأبناء تربطهم علاقة مادية بحتة مع الآباء وتقلصت علاقة المودة والرحمة والترابط وأصبح التفكك الأسري يسيطر علي المشهد وتحول كل فرد إلي آلة تسعي إلي توفير حاجته المادية علي حساب العلاقات الإنسانية الأخري إلي جانب أسباب أخري تنمي ظاهرة العنف الأسري منها عدم الاختيار الصحيح للزوجين في اللبنة الأولي لتكوين الأسرة وهذا واضح في وجود الكثير من حالات عدم التكافؤ سواء المادي أو الاجتماعي أو الثقافي والذي حثت عليه الشريعة الإسلامية وهناك أيضاً ضغوط الحياة التي يعيشها أفراد الأسرة سواء خارج المنزل في العمل والمواصلات وزحام الشوارع أو داخل المنزل من أعباء منزلية ومشاكل الدراسة والدروس الخصوصية والمشاكل الصحية كل هذه الضغوط تجعل أفراد الأسرة أشبه بالقنابل القابلة للانفجار في أي وقت أما الأبناء فيتأثرون بأساليب العنف التي يشاهدونها عبر وسائل الإعلام المختلفة نظراً لقدرة الطفل علي التقليد والمحاكاة لما يشاهده من أساليب العنف وتستمر معه حتي يكبر. فالقتل يمثل العنف في أقصي صوره بعد أن يصل إلي حالة من الجنون مصاحبة بحالة من الاحباط واليأس والفشل ويزيد من حدة تلك الجرائم انتشار المخدرات بكافة أنواعها وتسبب في تفاقم البلطجة وظهور السلاح وزيادة جرائم السرقة. تضيف فادية: الصورة الراهنة أصبحت مفزعة بعد أن تنوعت صور القتل لتصبح أكثر وحشية ويرتكبها أفراد غير محترفين أو أصحاب سوابق مما يجعل مسألة حصر الجناة وتحديد هوية مرتكب الجرائم صعبة للغاية والتفكك الذي شهدته الأسرة المصرية مؤخراً هو المسئول عن انتشار العنف بين أفرادها معربة عن قناعتها بأنه لم تعد هناك وصفة سحرية لمقاومته إلا بالعودة إلي الأسرة. ليبدأ العلاج من داخلها لأن العنف بدأ ينتشر نتيجة لتراخي الأسرة عن القيام بدورها في التربية مشيرة إلي أن ذلك النوع من العنف الأسري ربما أخذ شكل الظاهر العالمية. يضيف المستشار محمد جلال بالنقض والإدارية العليا أن العنف المجتمعي يظهر كرد فعل للقمع الطويل السابق للثورة وللمزاج الثوري الفائر وللتوقعات العالية في مجالات كثيرة وللاحباطات المتراكمة قبل وبعد الثورة وهذه الحالة من التوحش تظهر في صورة احتجاجات فئوية صاخبة ومتجاوزة للحدود أحياناً أو في صورة قطع الطرق وتهديد الناس أو في صورة أعمال عنف وبلطجة أو في صورة اعتداء علي مسئولين أو في أحداث شغب طائفية أو في استعراض القوة لبعض التيارات والفئات والأشخاص وهذه الحالة من التوحش الشعبي يخشي في حالة استمرارها أن تؤدي إلي فوضي هائلة نتيجة سقوط كل معايير القانون والأدب والاحترام وتحطيم كل الثوابت الاجتماعية بدعوي الثورة والتغيير وتنامي ظواهر الاختلاف في المجتمع الأوسع وداخل الأسرة وهذه وإن كانت مسألة طبيعية في حياة البشر إلا أن سخونتها وارتفاع صوتها في المجتمع المصري بعد الثورة مع غياب آليات لتنظيم الاختلاف ربما تؤدي إلي حالة من التصارع الخطر لو لم يتم ترشيدها وتوجيهها الوجهة الصحيحة فعلي الرغم من كون الاختلاف ظاهرة إيجابية حين يكون اختلاف تنوع إلا أنه يصبح ظاهرة سلبية حين يكون اختلاف تضاد وصراع. وتوضح الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد بكلية تجارة عين شمس أن الأسباب الاقتصادية ربما تكون سبباً ودافعاً لارتكاب الجرائم ولكنها ليست المتحكم الأساسي والدافع وراء الجريمة فأي ظاهرة لابد من تحليلها ومعرفة أسبابها فمن واقع دراستنا الميدانية في المناطق الريفية والعشوائية تبين أن فساد التعليم يلعب دوراً هاماً في ذلك بعد أن أصبح التعليم سبوبة لكسب المال مما ترتب عليه أجيال ونشء يتسم بالتدني الأخلاقي والبعد عن الدين في ظل غياب القدوة في المدارس والإدارات التعليمية لغرس القيم الأخلاقية والتربوية السليمة. مؤكدة أن الفساد بوجه عام لتحقيق مصالح لأشخاص بعينها يعتبر هو الآخر عائقاً بجانب التعليم فلن يتم القضاء علي العنف والجرائم إلا بتنشئة أطفال سليمة وغرس القيم الأخلاقية فيهم وتغير المناخ التفكيري والديني لهم خاصة في قري ونجوع مصر بخلق القدوة الحسنة من مدرس كفء وإدارات تعليمية متخصصة تقوم علي أساس التربية الصحيحة ومتابعة يشرف عليها المحليات ومجلس النواب. يقول الدكتور سيد علي طه أستاذ الاقتصاد بكلية تجارة جامعة المنوفية إن السبب لارتكاب الجرائم هو ارتفاع الأسعار التي أصبحت المشكلة الرئيسية لكل أسرة خاصة لرب الأسرة وعدم مقدرته المادية علي الوفاء بالتزاماته مما ساهم في خلق حالة نفسية سيئة لدي أولياء الأمور وسبب من أسباب النزاعات الزوجية علاوة علي اختفاء السلع الأساسية واحتكارها مما زاد من عملية التوتر الأسري. مؤكداً أن دول العالم توفر الحياة الكريمة لمواطنيها ففي حالة التضخم والأزمات الاقتصادية يتم القضاء عليها بزيادة دخل المواطن بحيث تلائم الارتفاع في الأسعار مما لا يسبب عبئاً نفسياً تجعله ينساق للجرائم والقتل. بينما يؤكد إسماعيل شلبي الخبير الاقتصادي أن الظروف الاقتصادية أياً كانت مشاكلها ليست العامل الرئيسي في جرائم القتل والعنف ولكن المشكلة الرئيسية في التدني والانهيار الأخلاقي وبعدنا عن الدين والتي تظهر في عدة صور كاحتكار السلع وجشع التجار واستغلال المواطن البسيط أو الاتجار في المخدرات للحصول علي المكسب المادي السريع مما ينتج عنه مجتمع يسوده الانحلال والجرائم.