علي مدار عقود متتالية تعرض القطاع الصناعي في مصر لمذابح بشعة تزامنا مع سياسة الانفتاح التي بدأها الرئيس السادات واستكملها مبارك ببيع ما تبقي من القطاع العام من مصانع وشركات مما تسبب في إغلاق ما يزيد علي 6800 مصنع وضياع ما لا يقل عن 750 ألف فرصة عمل كانت كافية لتقليل نسبة البطالة للنصف تقريبا مما كلف الخزانة المصرية 360 مليار دولار في الفترة من 2000 إلي 2010 فقط. الدكتور عبدالخالق فاروق رئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية يؤكد أن الصناعة الوطنية تم القضاء عليها لصالح الاستيراد المدعوم مشيراً إلي أن مصر لم تشهد نهضة صناعية حقيقية سوي خلال الفترة من 1957 وحتي عام 1967 حيث تم بناء ما يزيد علي 1000 مصنع كانت تعد بمثابة العامود الفقري للصناعة المصرية تم تدمير معظمها بشكل ممنهج لتحقيق الأرباح علي جثة القطاع العام والصناعات المعدنية وتوقفت تلك التجربة عقب العدوان الإسرائيلي ولم يتم تكرارها حتي الآن. مؤكداً أن الاقتصاد المصري حقق أعلي معدلات للتنمية في الدول النامية خلال الفترة من عام 1960 وحتي عام 1965 وبلغ آنذاك 6.5% إلا تلك التنمية توقفت بالتجهيز للحرب وعقب انتهاء الحرب تخلت الدولة تماما عن أي دور للتنمية بحجة عجز الموازنة العامة والاتجاه للاعتماد علي القطاع الخاص واقتصادات السوق الحر والعرض والطلب الذي لم يحقق معدلات تنمية وتركزت الثروة بشكل ضخم جداً في أيدي 5% من أفراد المجتمع بالاضافة إلي 2000 من كبار رجال الاعمال. في المقابل تزايدت معدلات الفقر والعوز لدي 40% علي الاقل من السكان ولولا نتائج سفر حوالي 20 مليون مصري للعمل بالخارج خلال الفترة من 1974 وحتي منتصف التسعينيات لأكل المصريون بعضهم بعضا والتي سميت بالحقبة النفطية نسبة لنفط دول الخليج والتي أنقذت مصر من كوارث اجتماعية واقتصادية وقد حقق ذلك معدلات مرتفعة لتركز الثروة بينما لم يحقق تنمية حقيقية صناعية أو زراعية وأصبحنا نستورد 65% من الغذاء و70% من مستلزمات التشغيل الصناعي الأمر الذي أدي لتفاقم العجز في الميزان التجاري والموازنة العامة للدولة مما أدي لزيادة اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي لتصل إلي 115% من الناتج المحلي الاجمالي مقابل 30% خلال عام 1966 وبالتالي أصبح الاقتصاد المصري رهينة للدائنين والمانحين ورجال الأعمال من ناحية أخري دون أن يكون هناك دور ملمو للدولة عبر وسائل التخطيط وتعبئة الموارد باعتبارها المنتج والموزع المرجح مما يضبط الأسواق ويؤدي لتحسين مستوي معيشة أفراد المجتمع. ويرجع عمارة ابراهيم نائب رئيس مركز الصناعات الهندسية بداية الأزمة لعصر الانفتاح وبداية التحول للنظام الرأسمالي وتنامي دور القطاع الخاص مع تشجيع كبار المستثمرين ورجال المال والأعمال سواء الوطنون منهم أو الأجانب علي حساب القطاع العام والاستثمارات القومية دون النظر لحماية ذلك القطاع الذي يعد صمام الأمان للأمن القومي لتحقيقه عدة أغراض أهمها استيعاب عدد كبير من سوق العمال المصرية الكثيفة بسبب مبدأ حسن النية الذي تعاملت علي أساسه الحكومة دوما ولفترة طويلة بشكل مثالي مع قطاع اقتصادي يهدف في الاساس للربح أولا وأخيراً ولا يعترف بكل تلك المثل دونما النظر لأية اعتبارات أخري فالمستثمر عموما سواء الوطني أو الاجنبي يهدف أولا لتحقيق اقصي ربح في أقل زمن ممكن دون الالتفات لأية اعتبارات أخري كالبعد الاجتماعي أو حقوق العمل أو الوطن ساهم في ذلك تطوع الدولة بتسهيلات غير مسبوقة لتشجيع المستثمرين الذين استغلوا ذلك بدورهم لتحقيق أقصي أرباح في أقصر وقت ممكن مشيراً لتمكن بعض أصحاب الانشطة بتحقيق تكلفة مشروعاتهم بالكامل مع جني أرباح من ورائها واتجاه عدد كبير منهم للتصفية أو تغيير النشاط لاستغلال الدعم المقدم من الدولة الأمر الذي أدي لتوقف الكثير من المصانع واتجاه الكثير في المستثمرين للصناعات الخفيفة والاستهلاكية للتمكن من تصفية النشاط بسهولة علاوة علي انخفاض تكلفة تلك الصناعات مقارنة بالصناعات الثقيلة. ويطالب بضرورة تغيير نمط الإدارة والاتجاه للاعتماد علي الكفاءات والابتعاد عن اختيار القيادات وفقا لولائهم السياسي ضاربا المثل بشركة الحديد والصلب بحلوان التي كانت في الماضي تنتج 5000 طن يوميا وأصبحت حاليا تنتج 3000 طن علي أقصي تقديركل 10 أيام مما تسبب في تعطيش السوق وارتفاع الطلب علي إنتاجها.