لن توقف زيادة حالات الطلاق قوانين تلغي اعتبار جملة انت طالق كافية لوقوع الطلاق لأن مكون الأسرة أي طرفي العلاقة. بل أسرتي الزوجين إفراز لمجتمع تغيرت قيمه فتغيرت نظرة أبنائه للزواج وبالتالي فالحد من حالات الطلاق يتم بتغيير هذه النظرة وتغييرها لن يتحقق إلا بإعادة المجتمع إلي نبله وسمو سلوكه. إذا أردنا أن نعود إلي نموذج من هذه القيم التي تمثل ثقافة كامنة في ضمير أفراد المجتمع فلنتأمل الوصية الشهيرة لبنت الحارث لابنتها أم إياس بن عوف حيث قالت: أي بنية ان الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل ولو ان امرأة استغنت عن الزواج لغني أبويها وشدة حاجتهما إليهما كنت أغني الناس عنه ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال. أي بنية: انك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت إلي وكر لم تعرفيه وقرين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك رقيباً ومليكاً فكوني له أمة يكن لك عبداً واحفظي له خصالاً عشرا يكن لك ذخرا. أما الأولي والثانية فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع والطاعة وأما الثالثة والرابعة فالتفقد لموضع عينيه وأنفه فلا تقع عينه منك علي قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح وأما الخامسة والسادسة فالتفقد لوقت منامه وطعامه فإن غرائز الجوع ملهبة وتنغيص النوم مغضبة. أما السابعة والثامنة فالاحتراس بماله والإرعاء علي حشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التقدير وفي العيال حسن التدبير وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصين له أمراً ولا تفشين له سراً فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً والكآبة بين يديه إن كان فرحاً. وإذا كان هذا نموذج لوصية أم لابنتها في ذلك العصر فإن هناك وصايا من الآباء للأبناء سواء حول علاقته بزوجته أو حول علاقته بالمجتمع سوف نعود إليها. فإذا تأملنا الوصية التي بين يدينا بمنظور ديني فهي تنطلق من قوله تعالي: "ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير" صحيح ان الوصية كانت فيما قبل الإسلام لكن القيم العليا والحكمة الاجتماعية كانت موجودة لذلك جاء الإسلام ليتمم هذه المكارم. فالسيدة أدركت بفطرتها ان العلاقة الزوجية قائمة علي الفضل وليس العدل لأن الفضل هو تقديم ما فوق العدل مما يقتضيه الحب والمودة والدفء وكأنها تعلم ابنتها منطقاً نفسياً يتمثل في "أحسن إلي الناس تستعبد قلوبهم" وهو ما أشار إليه قوله تعالي "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" هذا مع العدو فما بالنا بمن قامت العلاقة به علي المودة كما أخبرنا القرآن "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" فهذه القيم غريزية تنميها حسن المعاشرة أو يقتلها الجفاء والبحث عن الغنائم.