إلي أين يقودنا جشع التجار وجنون الأسعار الذي أصبح لا يعرف الحدود.. ولا يرحم محدودي الدخل الذين انخفضت القوة الشرائية لرواتبهم إلي أقل من الثلث.. دون أن تبدو في الأفق أي بادرة أمل لوقف هذا التسابق المجنون علي تكسير عظام المصري الغلبان؟ هذا هو السؤال الذي يتصدر المشهد الآن.. فجنون الأسعار لم يعد له علاقة بارتفاع الدولار ولا تعويمه.. ولا بآليات السوق أو القرارات الاقتصادية.. ارتفاع سعر كرتونة البيض من 20 إلي 34 جنيها خلال أيام.. ارتفاع سعر كيلو الحليب من 7 إلي 13 جنيها.. ووصول سعر الأرز الذي تطرحه بعض الشركات المستغلة إلي 12 جنيها.. لا يمكن تبريره بارتفاع الدولار. القرارات الاقتصادية كانت ضرورة حتمية لإصلاح خلل مخيف استمر قرابة 4 عقود.. انهارت خلالها كل الخدمات وتوقفت عجلة الإنتاج لصالح الاستيراد الأوفر والأرخص والأسهل.. ولكن كان ينبغي قبل اختيار المخاض الصعب أن نفكر في وسائل لتخفيف المعاناة وتقليل الآثار الجانبية للدواء المر ومواجهة جشع متوقع للأسف.. كان مهما أن ندرك أنه ليس من العدل أو الإنصاف أن نحمل الجيل الحالي تبعات فساد 40 عاما.. كان واجبا علي الحكومة أن تضع خططا وبرامج قابلة للتنفيذ لمواجهة الجشع والاستغلال.. وللتعامل مع تداعيات الارتفاع المنطقي لسلع لا يمكن الاستغناء عنها مثل الدواء. الحكومة تعلم أنه بحسابات الأرقام أصبح الحد الأدني للأجور والمقدر بألف و200 جنيه يعادل ستين دولارا تقريبا.. بانخفاض رسمي يقترب من 50 بالمائة بعد التعويم.. وأنه يعادل 15 كيلو جراما من اللحوم السودانية المستوردة تقريبا.. وأن الموظف أو العامل الذي يحصل علي الحد الأدني يتقاضي ما يعادل نصف كيلو لحم سوداني يوميا.. مطلوب منه أن يستبدل قيمته بدواء وكساء وغذاء ومصاريف تعليم وفواتير كهرباء وماء وإيجار مسكن ومواصلات.. في مواجهة جشع لا يعرف الرحمة. الحكومة تعلم أن قرارات الإصلاح الاقتصادي التي نعترف بأنها كانت حتمية.. أضافت الملايين إلي قائمة الفقر المدقع.. وهي الملايين الصابرة المقدرة الواثقة في قيادتها المدركة لصدقها وحجم ما تبذله من جهد لبناء المستقبل الذي يستحقه الوطن وأبناؤه.. ومن حق هؤلاء أن تعمل الحكومة لأجلهم وأن تجد الحل لجنون الأسعار الذي حول حياتهم إلي جحيم.. وأن تنظر بجدية إلي المطالبات بفرض ضرائب تصاعدية حقيقة علي الأثرياء لتوفير جزء من فاتورة الإصلاح.. المطلوب فقط هو إحساس المصري الغلبان أنه لا يتحمل وحده تبعات كل شيء.