الجشع داء قتال لصاحبه قبل المجتمع. ويكفي الحر ردعاً أن تلصق به هذه الصفة شديدة السلبية أو يوهم بها. بداية من الشره في الطعام. إلي الأثرة فيه وفي غيره. وانتهاء الي الشره في جمع المال.. وفي جانب الطعام والشراب دعانا الحبيب "صلي الله عليه وسلم" الي الاقتصاد في طعامنا وشرابنا. فقال "صلي الله عليه وسلم": "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه. فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" رواه الترمذي. ولما أهداه المقوقس حاكم مصر جارية وطبيباً قبل "صلي الله عليه وسلم" الجارية ورد الطبيب. قائلاً أما الطبيب فلا حاجة لنا به نحن قوم لا نأكل حتي نجوع وإذا أكلنا لا نشبع. وقد امتدح العرب العفة في كل شيء حتي قال شاعرهم: وإن مدت الأيدي إلي الزاد لم أكن بأعجلهم. إذ أجشع القوم أعجل وأستف ترب الأرض كي لا يري له علي. من الطول. امرؤ متطول وقال الآخر: لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل وقال آخر: أمت مطامعي فأرحت نفسي فإن النفس ما طيعت تهون وأحييت القنوع وكان ميتاً ففي إحيائه عرض مصون إذا طمع يحل بقلب عبد علته مهانة وعلاه هون وقالوا: أحسن إلي من شئت تكن أميره. واستغن عمن شئت تكن نظيره. واحتج إلي من شئت تكن أسيره. وللجشع صور متعددة. منها الشره في الطعام والشراب. والجشع في الاستحواذ علي المال والمتاع. وقد يكون ذلك علي سبيل الربا. أو علي سبيل الغش أو الاحتكار أو الاستغلال وقد نهي الإسلام عن ذلك كله. فقال سبحانه وتعالي في شأن الربا: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلِمون ولا تظلَمون" "البقرة: 178-279" ويقول نبينا "صلي الله عليه وسلم" "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" "رواه مسلم". كما نهي "صلي الله عليه وسلم" عن الغش فقال: "من غشنا فليس منا" كما نهي عن الاستغلال والاحتكار فقال "صلي الله عليه وسلم": "المحتكر ملعون". وقال "صلي الله عليه وسلم": "لا يحتكر إلا خاطئ". وقال "صلي الله عليه وسلم": من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقاً علي الله تبارك وتعالي أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" رواه أحمد في المسند. علي أن بعض الناس قد يبتذل في سبيل شهواته ابتذالاً مقيتاً. يجلب له سخط الناس في الدنيا. وسخط الله "عز وجل" في الدنيا والآخرة. بحيث يكون هذا الصنف من الناس علي استعداد لاراقة ماء وجهه ووصم عرضه وشرفه وكرامته ومروءته جشعاً وطمعاً وذلاً وهواناً وابتذالاً لأمور لا يمكن ان يدركها أو ينالها إلا بقدر. وفي مقابل الجشع والشره وقلة المروءة نجد كل معاني العفة والنزاهة. والإباء والشمم وعدم الابتذال فالعفة إنما تشمل عفة اللسان عن التفوه بما لا يليق أن يخرج منه وبما يحفظ لصاحبه مكانه ومكانته واحترامه بين الناس فالفم يجب ان يعف عن الطعمة غير الحلال. بل يعف عن كل ما يمكن أن يخل بمروءة صاحبه. والفرج ينبغي أن يعف عن الحرام كل الحرام. كما يجب علي ذوي المروءة أن يعفوا عن التدني والابتذال. وأن يعرفوا بالإباء والشمم.