علمتنا الهجرة النبوية بجلالها ومعانيها كثيراً من الدروس والعظات والعبر: - يجب أن تكون "الهجرة" لله وفي سبيله لا لغرض ولا لمرض ولا لطلب مغنم أو تحقيق مطمح أو نيل رغبة. فإن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز "ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة ومن يخرج من بيته مهاجراً إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله وكان الله غفوراً رحيما" "سورة النساء آية 100" وقال المفسرون.. وهذا تحريض علي الهجرة وترغيب في مفارقة المشركين وان المؤمن حيثما ذهب وجد عندهم ملجأ يحتضن فيه.. وقال ابن عباس: المراغم التحول من أرض إلي أرض وقال مجاهد: مراغما كثيرا يعني متزحزحا عما يكره.. والظاهر والله أعلم انه المنع الذي يتخلص به ويراغم الأعداء وقوله "وسعة" يعني الرزق وقال قتادة في قوله "يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة" أي من الضلالة إلي الهدي ومن القلة إلي الغني وقوله "ومن يخرج من بيته مهاجراً إلي الله ورسوله.." أي ومن يخرج من منزله بنية الهجرة فمات في أثناء الطريق فقد حصل له عند الله ثواب من هاجر كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من الصحاح والمسانيد والسنن.. وعن عمر بن الخطاب قال: قال الرسول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلي ما هاجر إليه وهذا عام في الهجرة وفي جميع الأعمال". ولقد خرج رسول الله يوم الهجرة وهو يريد وجه الله وحده وهاجر وهو حريص علي دينه ودعوته وليس بحريص علي حياته أو نفسه ولقد أراد أن يبذل من ذات يده ما يستطيع كي تكون هجرته خالصة منه لله حتي روي انه رفض أن يقبل الناقة التي اشتراها له أبو بكر ليركبها أثناء الهجرة إلا إذا دفع ثمنها من ماله. - إذا درسنا هجرة النبي في وقائعها المتتابعة المتكاملة تبين لنا اتساق الخطوات التي اتبعها عليه السلام مع خطوات العمل بحسب مفهوم علم التنظيم وطرق العمل الحديث.. وان صورة التعاون في الهجرة تمثل أكمل الصور وأعظمها.. ولقد تحقق التعاون بفضل عدة عوامل مجتمعة تفاعلت فنجم عن تفاعلها النجاح أعظم النجاح. ولقد تعاون في الاعداد للهجرة والمشاركة فيها رجال ونساء وشباب وفتيات مسلمون فجاءت الهجرة صورة تطبيقية للإيمان ولشرف الكلمة يقولها غير المسلم فيلتزم بها. والذين ساهموا في الهجرة كان فيهم الكهول كالنبي عليه الصلاة والسلام وأبي بكر والشباب كعلي ابن أبي طالب وعبدالله بن أبي بكر والفتيات كأسماء وعائشة ابنتي أبي بكر والرعاة وغيرهم و"للحديث بقية".