لم يكن الأسطورة محمد علي كلاي مجرد ملاكم صال وجال وحقق الانتصارات تلو الانتصارات علي حلبة الملاكمة وإنما مواقفه الإنسانية والسياسية هي التي أضفت علي هذا الملاكم نوعاً من البطولة لا يتحقق بالضربة القاضية.. وهزيمة الخصوم علي بساط الملاكمة.. وإنما بطولة سكنت قلوب الناس.. فقد كان رمزاً للإنسانية والكفاح والنضال ومكافحة العنصرية في بلاد الأمريكان.. فعندما أعلن البطل إسلامه وتحول اسمه من كاسيوس مارسيلوس كلاي إلي محمد علي كلاي.. تعرض لحرب نفسية استخدم فيها خصومه كل الأسلحة المعنوية والمادية.. وحاربوه علي الحلبة وخارج الحلبة.. وجاءوا بملاكمين لديهم من القوة البدنية والعضلية ما يفوق كلاي مرات ومرات للقضاء عليه للأبد.. وإنما إيمان كلاي وعزيمته وإصراره كانت سلاحه القوي الذي واجه به كل الخصوم فقد كان يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. وجاء موقفه السياسي والإنساني من حرب فيتنام ورفضه التجنيد والذهاب إلي فيتنام ليزيد حرب الأمريكان ضده.. وسحبوا اللقب العالمي منه عام 67 وجردوه من كل ألقابه العالمية ومنعوه من المشاركة في مسابقات وبطولات الملاكمة لمدة ثلاث سنوات.. وعاد بعد جهود مضنية إلي الملاكمة مرة أخري عام 1970 واستطاع بعزيمة الأبطال أن يسترد لقبه العالمي في نزال عالمي استطاع أن يحسمه لصالحه ويتربع علي عرش الملاكمة.. لكن أعداء الإنسانية حاربوا هذا البطل وأعدوا له ملاكماً لا يقهر ولا يهزم وهو جوفريزر عام 71 لكي يجرد كلاي من لقبه.. لكن البطل الأسطورة استطاع أن يهزم جوفريزر ويحتفظ بلقبه العالمي في ملاكمة القرن حسب تصنيف خبراء الملاكمة. *** أما المباراة الأشهر والتي كانت مثار جدل واسع ففي الوقت الذي كان فيه محمد علي كلاي يتربع علي عرش الملاكمة ويسكن قلوب الملايين.. كان الملاكم جورج فورمان كتلة من العضلات المفتولة وعندما ظهر بجسده القوي علي الميزان تحولت الرهانات إلي جانب فورمان.. ووضع عشاق الملاكم الإنسان معشوق الملايين محمد علي كلاي أيديهم علي قلوبهم.. وبالفعل كانت مباراة صعبة للغاية للبطل أمام جبل العضلات المفتولة الملقب بجورج فورمان وكل من تابع هذه المباراة كان يدرك أنها تسير نحو هزيمة الأسطورة.. وفي لحظة حاصر فيها جورج فورمان كلاي في ركن الحلبة.. انطلقت المدافع الرشاشة من البطل ليسقط جورج فورمان بالقاضية وسط ذهول الملايين فاستحق كلاي لقب الأعظم في تاريخ الملاكمة. *** أما المباراة التي لا ينساها عشاق كلاي فتلك التي كانت أمام جوفريزر أواخر السبعينيات وكان كلاي قد قرر الاعتزال وزاد وزنه بصورة ملحوظة بينما فريزر يصغره بعشرة أعوام أو يزيد ويبدو أنها كانت مباراة تجارية أكثر منها بطولية.. فالشركة المنظمة أغرت البطل بمبلغ كبير لمجرد المشاركة في المباراة يفوق ما يحصل عليه خصمه حتي لو هزم كلاي.. وكان توقيت المباراة التي أقيمت في أمريكا حوالي الخامسة فجراً بتوقيت القاهرة.. وظلت الجماهير المصرية في انتظار المباراة التاريخية التي جاءت صدمة لعشاق كلاي الذين كانوا يرون فيه الأسطورة التي لا تهزم.. لكن ظهر كلاي بعيداً عن مستواه المعهود.. ولم يعد يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. ونال منه كثيراً جوفريزر.. وخسر كلاي المباراة وسهر عشاق كلاي حتي الفجر وتابع الملايين المباراة وكأنها الأهلي والزمالك لأن الملايين أحبوا هذا البطل الذي كان ليس مجرد بطل ملاكمة وإنما رمز للكفاح والنضال ومكافحة العنصرية.. رمز للإنسانية والعدالة.. وعندما زار كلاي مصر عام 64 حرص علي لقاء الزعيم جمال عبدالناصر.. كما حرص كلاي خلال مشواره مع الملاكمة أن يلتقي بزعماء النضال الوطني والكفاح والتحرر نهرو وغاندي ومانديلا وناصر.. من هنا سكن كلاي قلوب الملايين من كل بلاد الدنيا. *** ومن هنا كان الجانب الإنساني لدي كلاي ومواقفه السياسية العادلة.. وكفاحه من أجل التحرر هو الذي ميزه عن أساطين الملاكمة علي مر التاريخ باترسون وجورج فورمان وهوليفيلد ولينوكس لويس وجيمس باستر وأسطورة الأساطير مايك تايسون.. رحم الله كلاي.. الإنسان.