* الأحد الفائت وجدتني أمام تاريخ مؤلم للغاية أزعم أنه الأسوأ علي الإطلاق في التاريخ العربي المعاصر.. ولأن الذاكرة الإنسانية غالباً ما تدفع بالأحداث المحزنة والوقائع الأليمة في بئر النسيان.. فقد بات تاريخ "التاسع من ابريل" في طي النسيان علي المستوي الشخصي.. وتحديداً منذ الغزو الأمريكي للعراق في مثل هذا اليوم من عام ..2003 ومثلي مثل كل عروبي قومي حاولت علي مدي الثلاثة عشر عاماً الماضية أن أجمع شتات نفسي وأضمد جراحي.. ولكن باءت بالفشل محاولاتي قبل أن تدفعني الصدفة وحدها للخروج إلي منطقة الوعي مجدداً.. فهناك حدث آخر لا يقل خطورة وبشاعة عن سقوط بغداد شهده العرب في نفس هذا التاريخ عام ..1948 وبرغم ما ترتب من كوارث علي مذبحة "دير ياسين" فقد أصبح هذا الحدث مجرد حادثة في الذاكرة العربية رغم أنه كان الإنذار الصهيوني الأبرز قبل إعلان الدولة العبرية علي أرض فلسطين العربية.. ففي مثل هذا اليوم السوداوي اختارت عصابات الأرجون والشيترن الصهيونية قرية دير ياسين الواقعة غربي القدس لإرسال إنذار شديد اللهجة لبقية القري الفلسطينية ولسائر الشعب الفلسطيني بالنزوح والفرار أو التعرض للذبح والهوان.. ودعونا نتوقف في عجالة أمام أحداث هذا اليوم الدامي.. كانت الساعة تقترب من الرابعة فجر يوم 9 ابريل عام 1948 عندما شرعت العصابات الصهيونية في مباغتة سكان قرية دير ياسين المسالمين دون تمييز بين رجل أو طفل أو امرأة.. وطبقاً لتقديرات المراقبين فقد راح ضحية هذه المذبحة أكثر من مائتي وخمسين فلسطينياً مقابل أربعة فقط .. وأكثر من ثلاثين جريحاً يهودياً.. الأمر الذي أثار جنون الصهاينة فعاثوا في الأرض فساداً. ** نكّلت العصابات الصهيونية بالرجال الذين قاوموهم واستباحوا النساء في مشهد همجي ومؤلم للغاية.. وصدق أو لا تصدق.. فقد تناوب الجبناء علي فتاة فلسطينية أمام أسرتها.. وإمعاناً في الذل والهوان قاموا ببتر قدميها قبل أن يلقوا بها في منصة النيران التي أعدوها سلفاً لإثارة الرعب في نفوس الفلسطينيين.. جدير بالذكر أن الصهاينة استوطنوا قرية دير ياسين وأعادوا بناءها علي أنقاض المباني الأصلية.. ليس فقط.. بل أطلقوا اسماء عصابات الأرجون والشيترن علي شوارعها.. وتحولت دير ياسين إلي مستعمرة يهودية خالصة.. وتعد هذه المذبحة البشعة نقطة تحول في تاريخ المنطقة العربية.. حيث تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في منتصف مايو عام 1948 بعد مرور خمسة أسابيع فقط علي مذبحة دير ياسين. وإذا كانت فلسطين قد أصبحت بالفعل في ذمة التاريخ رغم المقاومة التاريخية للفلسطينيين حتي اليوم وإصرارهم علي إقامة دولتهم وعاصمتها القدس.. فإن جريمة القرن الحادي والعشرين قد وقعت أيضا يوم التاسع من ابريل بعد مرور خمسة وخمسين عاماً بالتمام والكمال علي مذبحة الفلسطينيين.. ولكن مع الفارق الهائل نتيجة للأحداث والكوارث التي ترتبت علي سقوط بغداد.. وما أدراك بسقوط بغداد.. فقد اتسعت دائرة الأعداء التاريخيين للعرب والمسلمين.. ولم تحد الولاياتالمتحدةالأمريكية وربيبتها إسرائيل فقط في قيادة الحرب علي العرب والمسلمين.. فقد أدي انهيار العراق إلي التوغل الإيراني في البلاد وتجدد الخطر الفارسي علي الأمة العربية والإسلامية.. كما رفعت إسرائيل شعار "إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات" علي مبني الكنيست.. فقد جاهر زعماء إيران وقادتها بتصريحاتهم العنترية حول قيام الامبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد.. لذا فقد أصبح من الضرورية بمكان أن تتضامن الأمة العربية بأسرها مع المملكة العربية السعودية في مواجهة الخطر الفارسي. ** آخر الكلام: سوف يظل مشهد إعدام القائد العربي صدام حسين يوم العاشر من ذي الحجة عام 1427 ه الموافق يوم الثلاثين من ديسمبر عام 2006 المشهد الأبرز علي جريمة العصر التي ارتكبتها دول التحالف الغربي بزعامة الولاياتالمتحدةالأمريكية.. ودعونا نذكر أمريكا بأن صلابة وشدة بأس وشجاعة صدام حسين "1937- 2006" قد زلزلت الأرض العربية في مواجهة الصلف الأمريكي.. وأن تغييب الشعوب وتغيير ثوابتها أصبح من المحال.. وللحديث بقية.