تتبدل الأيام.. وتتغير الوجوه.. وتظل صفحات التاريخ تسطر حكايات وبطولات خالدة.. لأبناء شعب السويس الذي رفض التسليم.. وتحدي الموت والجوع والعطش وحصار العدو علي مدي 107 أيام داخل مستشفي السويس العام. الدكتور طلعت عزالدين من مواليد 1938.. خريج كلية الطب جامعة عين شمس والذي تخصص في جراحة العظام.. شاء الله أن ينتدب للعمل بمستشفي السويس العام لمدة أربعة أيام في 19 أكتوبر 1973 لإنقاذ الجرحي ومصابي الحرب.. إلا أنه دخل المستشفي ولم يخرج منه إلا بعد 107 أيام.. بسبب الحصار الذي فرضته قوات العدو. ظل الدكتور طلعت واقفاً علي قدميه ممسكاً بآلات وأدوات الجراحة رافضاً فكرة الهروب من الجحيم أو العودة إلي القاهرة حتي يوم 29 يناير 1974 ليحقق هو وزملاؤه اسطورة الإرادة والتحدي المصرية.. وينسج هو والأطباء والمرضي مئات القصص والحكايات المشرفة والتي لا تنسي. هو شخص قليل الكلام دائم الحركة. يحمل قلباً مفعماً بالحب للجميع.. كلف بجوار عمله كطبيب مسئول عن إدارة المستشفي وقتها.. بأن يقوم بدور إنساني بحت وهو توزيع الطعام والشراب علي المدنيين والمرضي والأطباء المحاصرين بالمستشفي وعددهم يقترب من 400 شخص.. فكان يحمل جراكن المياه ويمنح كل فرد نصف لتر يومياً.. فأطلق عليه الجميع لقب يعتز به حتي الآن هو "طلعت جركن"!!. وبعد وقف إطلاق النار.. أعلن الرئيس السادات أكثر من مرة في خطبه أنه أصدر قراراً جمهورياً جاء فيه أنه تخليداً لبسالة هذه المدينة التاريخية قرر انشاء وسام يحمل أسم "نجمة السويس" لأهدائه للمدنيين الذين حققوا اعمالاً بطولية في حرب أكتوبر.. وشمل القرار اسم الدكتور "طلعت جركن" وزملائه من أطباء المستشفي.. إلا أن المسئولين وقتها لم ينفذوا القرار وحتي الآن. وظل الرجل وحتي الآن ورغم بلوغه ال 78 عاماً.. يتردد علي كل الجهات المسئولة.. مطالباً ب "نجمة السويس" ذلك الوسام الذي يستحقه هو وأقرانه.. ليترك لأحفاده وأسرته تاريخاً وحكايات تروي للأجيال.. مؤكداً أنه متنازل عن كل مزايا الوسام. وأنه لن يستفيد منه حالياً.. مشيراً إلي أن الوسام يمنح لحامله إعفاء أولاده من شروط المجموع والسن بالمدارس.. والانتقال مجاناً بكل وسائل المواصلات البرية وأن تكون الوسائل البحرية والجوية بنصف أجر.. وله حق العلاج المجاني في جميع مستشفيات مصر. وبعد هدوء كل العواصف.. وفي عام 1977.. قام هو وبعض الأطباء الذين زاملوه بمستشفي السويس العام بانشاء مركز "الصمود الطبي" في شقة صغيرة بمنطقة فيصل الشعبية ليقدم خدماته الطبية للفقراء والبسطاء شبه مجاناً.. وقامت بافتتاحه الدكتورة آمال عثمان وزيرة الشئون الاجتماعية سابقاً. ليتحول الآن إلي مستشفي ضخم ومركزاً كبيراً يضم ثلاثة أدوار ويقدم خدماته للجميع بجنيهات معدودة. د.طلعت "جركن" لايزال يمارس عشقه الوحيد.. خدمة الفقراء بلا مقابل.. لا يشغله عنه سوي استرجاع ذكريات ملحمة الصمود التي لاتزال تفاصيلها الرائعة والمروعة تحتل مكان الصدارة في أرشيف ذاكرة الذكريات.. وتؤكد أنه بصدق "واحد من جدعان بلدنا".