بداية.. كاتب هذه السطور تجاوز السبعين من عمره. أي أنه أدرك عصر الملكية وعاش عهد جمال عبدالناصر وشاهد ولمس واستفاد من سياسة هذا الزعيم ومنجزات عصره وفي المقدمة منها مجانية التعليم مثله مثل جيله كله والاجيال اللاحقة. هذه مقدمة ضرورية ثم نلج إلي مقصدنا في حزمة من النقاط: * الأولي: هذه السطور ردا علي سلسلة مقالات نشرت في صحيفة قومية تحت عنوان: مجانية التعليم في عهد ناصر أكذوبة. * النقطة الثانية: إن الكارهين لجمال عبدالناصر قلة قليلة.. نبشوا قبره وذبحوا سيرته ومسيرته. انكروا كفاحه. تنكروا لتاريخه. لطخوا بالسواد اسمه ورسمه. أهالوا التراب علي صفحات حياته ولم يكفهم هذا فنسبوا إليه كل نقيصة وكل خراب أحاق بمصر حتي أنه لو اصطدم كوكب المريخ بكوكب زحل فإن عبدالناصر هو السبب.. لم يكن ذلك كله ليحدث لولا انه فارق الحياة ووري جثمانه الثري فعلا منذ اكثر من اربعين سنة مضت. حتي جنازته التي لم تشهد مصر مثيلا لها لم تسلم رغم الزمن من بذاءاتهم انهم وبكل مرارة الأسف قلة قليلة من أبناء مصر. منهم من اكل وشرب حتي الثمالة علي مائدته وعلي مائدة السابقين واللاحقين. ومنهم من لم يعش عصره بالمرة. لكنه "أكل عيش". * النقطة الثالثة: إن التاريخ سطر لكل أمة من الأمم حقبات من الزمن فيها افراح الانتصارات وأتراح الانكسارات. ولكل قائد تاريخي كفة من الايجابيات واخري من السلبيات. رجحت هذه الكفة أو تلك. وليس هناك من أمة دانت لها الانتصارات علي طول الأزمنة وليس من رئيس كان من الملائكة بل من بني البشر. * النقطة الرابعة: ان مشروع عبدالناصر القومي العربي كان موجها ضد هيمنة الغرب علي مقدرات الأمة العربية ومصائر شعوبها. * النقطة الخامسة: ان قضية مصير عبدالناصر الأولي والتي لفظ أنفاسه الاخيرة بسببها كانت هي قضية فلسطين وشعب فلسطين. * النقطة السادسة: جرت 16 محاولة لتصفية عبدالناصر جسديا وقيل اكثر وقيل أقل. جلها من قبل الغرب وإسرائيل وبعضها من قبل التطرف الإسلامي مثل حادث المنشية بالإسكندرية عام 1954 وجميعها باءت بالفشل الذريع والوثائق السرية الغربية تحديدا التي افرج عنها من سراديبها وسمح بتداول ما يحويه من اسرار ومعلومات تفصح وتفضح عشرات القصص والمفاجآت في هذا الصدد. * النقطة السابعة: ان سياسة الترهيب والترغيب التي مارسها الغرب في تعامله مع عبدالناصر ظلت منذ بزوغ نجمه بالثورة حتي افوله بالوفاة. واذكر في هذا الشأن بينما كان جثمان عبدالناصر مسجي في فراشه كانت قطع الاسطول الأمريكي تجري قبلها بأيام مناورات ضخمة وسط الأمواج الهادرة في خضم البحر الابيض المتوسط قبالة السواحل المصرية. وفجأة صدرت الأوامر من الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون إلي قائد الاسطول بأن يوقف تماما المناورات التي لم يكن برنامج فعالياتها قد انتهي بعد وعندما سئل نيكسون: لماذا هذا الأمر المفاجئ؟ أجاب بصراحة: كانت المناورات رسالة إلي شخص بذاته. وها هو قد مات.