أكد الدكتور حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر ان معجزة الهجرة ونجاحها تمثل في إرادة أبطالها ورجالها لأن الهجرة لا يمكن اختصارها فيما كان من رسول الله صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر فقط وانما الهجرة تمتد لتشمل كل هجرات الصحابة إلي هجرة النبي سواء أكانت الهجرتان إلي الحبشة أولاً أو هجرات الصحابة فرادي ومن يتبع ما كان في هجرات المسلمين قبل هجرة النبي لا يجد أبطالاً لا مثيل لهم في الصبر وقوة الارادة والتصميم ومن ذلك ما كان من المهاجرين الأوائل إلي الحبشة الذين قال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم ان بها رجلاً لا يظلم عنده أحد إلا انهم عندما بلغوا الحبشة أرسل وراءهم أهل مكة مندوبين ليردوهم عن الحبشة إلي مكة وحمل الرجلان الهدايا للرهبان حتي يكونوا عوناً لهم عند النجاشي ملك الحبشة وبلغت المأساة ذروتها حين قال عمرو بن العاص للنجاشي ان هؤلاء المسلمين يقولوا في المسيح قولاً عظيماً فأرسل إليهم النجاشي يسألهم فاجتمع المسلمون واتفقوا علي ألا يقولو إلا الحق وتقدم جعفر بن أبي طالب إلي النجاشي يقرأ عليه ما جاء في سورة مريم فما كان من النجاشي إلا ان قال ان ما تقوله وما جاء به عيسي بن مريم يخرج من مشكاة واحدة وفشلت فتنة عمرو بن العاص ونجا المسلمون من عملية الاسترداد مرة أخري إلي مكة. أما هجرة آل سلمة فكانت من أروع القصص في الصبر علي البلاء حيث خرج أبوسلمة وزوجه مهاجراً ومعهما ولده سلمة فاجتمع عليهما قوم أم سلمة وصمموا علي منع ابنتهم "أم سلمة" من الهجرة فتركها أبوسلمة وواصل هجرته فلما تركها اجتمع عليها قوم أبي سلمة وقومها يتنازعون ابنها سلمة حتي اتفصل ذراعه وأخذه قوم أبي سلمة. فظلت أم سلمة طيلة عام كامل تخرج كل يوم إلي مشارق مكة وتبكي حتي قام أحد رجالات قريش برد ابنها عليها ووافقوا علي ان تلحق بزوجها فخرجت دون رفيق فرآها عثمان بن طلحة الذي ساق ناقتها حتي وصلت إلي قباء حيث يقيم أبوسلمة وكانت أم سلمة من أصحاب الهجرة إلي الحبشة وقد قيل في حقها ما لقي أهل في الإسلام ما لقي آل سلمة. ويضيف الدكتور محمد داود ان من النماذج التي ضحت بمالها في سبيل الهجرة بالدين نموذج صهيب الرومي وأبي بكر الصديق أما صهيب فقد كان غريباً عن مكة لكنه أصاب فيها مالاً وأصبح غنياً فلما فكر في الهجرة اجتمع عليه القرشيون يساومونه علي ماله لانه لم يكن ذا مال وأصبح غنياً في مكة فرضي ان يترك لهم ماله مقابل ان يتركوه وشأنه فأخذوا ماله وتركوه فلما وصل إلي المدينة قال له النبي صلي الله عليه وسلم ربح البيع يا صهيب. أما سيدنا أبوبكر رضي الله عنه فلم يترك لأهله شيئاً وهو يهاجر مع رسول الله وقدم كل ماله في سبيل الله فلما سأله رسول الله صلي الله عليه وسلم ما تركت لأهلك..؟ قال تركت لهم الله ورسوله. ويقول: إذا تأملنا ما كان من عياش الذي هاجر إلي المدينة فاحتال عليه المشركون حتي أعادوه إلي مكة وأوثقوه بالحبال ودخلوا به مكة مكبلاً مهاناً وهم يقولون لأهل مكة هكذا نفعل بسفهائنا فافعلوا بسفائكم. ويقول الدكتور محمد داود ان هجرة الرسول كانت تتويجاً أو إنتقالا لمصدر الدين إلي حيث الإقامة الارحب والأوسع حيث علمت به العرب والعجم فدخل الناس في دين الله أفواجاً أي انها نقطة التحول العظيم في تاريخ المسيرة الإسلامية.