أحداث الهجرة كانت من الخطورة بحيث أنها أدت في النهاية الي قيام دولة إسلامية فتية استطاعت في زمن قياسي فتح مكة ونشر الاسلام في كل الجزيرة العربية ثم امتداده شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ليسيطر علي البحر الأحمر بضفتيه ويكاد يسيطر علي البحر المتوسط ثم يمتد حتي مشارف المحيط الأطلنطي غرباً ويتوسع الي الصين وروسيا شرقاً.. كان لابد للعالم أن يهتز وينتفض لوقف المد الاسلامي في الوقت الذي بدأ فيه المسلمون يغترون بزينة الدنيا وتلهيهم زخارفها بعدما هبطت عليهم الثروات من كل أنحاء الدنيا نتيجة الفتوحات الاسلامية لبلاد الفرس والروم وغيرهم.. امتلكت الدنيا قلوبهم وسيطرت علي تصرفاتهم فتحولت من الايثار الي الأنانية من الحب الي الكراهية ومن الاتحاد الي الفرقة فانقسمت الأمة إلي دويلات وبدأ أعداؤها في الشرق والغرب يتكالبون عليها وينهبون ثرواتها وكانت النتيجة الحتمية ما نعانيه من ضعف وتشرذم وتخلف وتناحر لنصبح الان في ذيل الأمم. والآن ونحن نعيش ذكريات الهجرة النبوية الشريفة هل نكتفي بتكرار أحداثها كما نفعل كل عام.. وماذا يفيد هذا الحديث والأمة يقاتل بعضها بعضاً ويتشرد نساؤها وأطفالها ويتحولون الي مهاجرين جدد في كل مكان بينما نحن عاجزون عن فعل أي شيء.. ما هو واجبنا لاعادة الأمة الي أمجادها وماذا نفعل لانقاذ المهاجرين الجدد؟ كيف كنا وكيف أصبحنا وما واجبنا تجاه الاسلام والمسلمين؟ الدكتور عبدالفتاح ادريس أستاذ الفقه بجامعة الأزهر الشريف يقول ان الاحتفال بالهجرة النبوية الشريفة أصبح عادة تقليدية نردد فيها أحداث الهجرة دون أن نستفيد شيئاً مما حدث بينما يزداد العالم طمعاً فينا واحتلال لأرضنا ونهب ثرواتنا نزداد نحن تمسكا بالسلطة وحبا للدنيا والعالم كل يوم يحاول أن يزداد سيطرة علي مقاليد الأمور في دول العالم الاسلامي منتهزاً هذه الفرصة الهائلة من تشرذم المسلمين وقتالهم لبعضهم. أضاف إننا نتحدث عن الهجرة حديثا نظرياً بينما العالم يجرب فينا أسلحته ويجري علينا تجاربه وسفهاؤنا لا يجدون إلا الاسلام ليهاجموا السنة ويفترون علي الرموز ويروجون للشهوات ويحاولون بكل الطرق الاعتداء علي قيم الدين ويدعون المسلمين الي الانفلات والثورة علي مباديء السلام والعدول عن الفطرة السليمة الي ما يسمونه بالعلمانية دون أن يجدوا من يتصدي لهم. أشار الدكتور ادريس الي أننا نتحدث عن الهجرة ولا نطبق شيئاً من مبادئها.. والا فماذا فعلنا للمهاجرين الجدد الذين يتشردون الآن في كل مكان من أهلنا وأطفالنا ونسائنا. يتساءل الدكتور ادريس ماذا فعل أثرياء الأمة لانقاذ هؤلاء الذين فروا من الجوع والموت بعدما تهدمت عليهم بيوتهم بينما المسلمون يتقاتلون علي السلطة ويضرب بعضهم رقاب بعض والضحية الاف بل ملايين المهاجرين من أطفال المسلمين ونسائهم وعجائزهم الذين لا يملكون درهما ولا ديناراً بعد ترك ديارهم وأموالهم. أشار الي أن العالم يتفرج علينا وأطفالنا ونساؤنا المهاجرون يبتلعهم البحر كل يوم ويفضلون الموت غرقاً أفضل من حياة الذل والخزي والعار. قال.. ماذا فعل علماء الدين وحكام المسلمين تجاه هذه المأساة التي تتكرر بعد 14 قرناً من الهجرة النبوية الشريفة.. ذكر ان الله في عليائه ووصف المهاجرين والأنصار بعدة أوصاف خلدت في قرآنه الكريم ليعلمنا ماذا نفعل لو تعرضنا لمثل هذه المأساة ولكننا نكتفي بتكرار الحديث عن الهجرة دون أن نفعل شيئاً. ذكر ان القرآن وصف المهاجرين بالفقراء فقال "للفقراء والمهاجرين" ووصفهم بأنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم فقال "الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم" وقال ان هدفهم كان ابتغاء الفضل والرضوان من الله العزيز الحكيم فقال "يبتغون فضلاً من الله ورضواناً" كما وصفهم أيضاً بأنهم ينصرون الله ورسوله فقال "وينصرون الله ورسوله" ثم نعتهم بأنهم صادقون.. صادقون في مسعاهم وصادقون في مبتغاهم وصادقون مع أنفسهم ومع أهلهم ومع دينهم والأهم من ذلك أنهم مخلصون صادقون مع الله ورسوله فقال "أولئك هم الصادقون". هذا عن المهاجرين فماذا قال القرآن عن الأنصار؟ ويجيب الدكتور عبدالفتاح ادريس بقوله ان القرآن سجل بحروف من نور أوصاف الأنصار وسلوكهم وتصرفاتهم مع إخوانهم للمهاجرين وتلحظ من هذه الأوصاف الكريمة مدي حب الأنصار للدين والآخرة ولقاء الله مما انعكس علي تصرفاتهم مع المهاجرين فأرادوا ان يقتسموا معهم كل ما يملكون.. وأراد المهاجرون العفة عن أموال الأنصار ليفضلوا العمل ويتكسبون من عملهم وعرقهم.. ان الجميع يدعو الي الخير ويعمل من أجل الله والآخره فكان حقا علي الله ان يعطيهم الدنيا والآخرة. أضاف الدكتور عبدالفتاح إدريس إنك تعجب أشد العجب من تصرفات بشر كأنهم ملائكة أناس فرحوا أشد الفرح بالنبي وأنصاره رغم الزحام الشديد الذي لا شك أنه حدث نتيجة هذا العدد الكبير من المهاجرين علي المدينة ليزحموا أهلها في سكناهم وأموالهم وثرواتهم ولكنك لا تكاد تشعر إطلاقاً لأي من ذلك ويسجل القرآن هذه التصرفات العظيمة التي تعطي المثل والقدوة ليس للمسلمين فقط ولكن للعالم أجمع الذي يعلي من المصلحة علي حساب كل القيم والأخلاق وليس لديه أدني اعتبار للقيم والأخلاق بل يقولون صراحة العالم مصالح. يقول القرآن العظيم في مدح الأنصار "والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". ان القرآن سجل عدة صفات للأنصار كل منها أفضل من الأخري.. أولها الحب ثم انشراح الصدر لهؤلاء المهاجرين ثم الايثار وتفضيل المهاجرين علي أنفسهم في كل شيء ثم يمتد هذا الايثار الي كل الظروف والأحوال التي يعانيها الأنصار حتي ولوكان بهم خصاصة أي شدة وقسوة في العيش.. ولذلك كانت بشري الله لهم بالفلاح في الدنيا والاخرة وهذا ما حدث فيقول القرآن "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون". ويتساءل الدكتور ادريس أين كل هذا مما يحدث الان وأثرياء المسلمين الذين يمتلكون المليارات يفضلون استنزافها في شراء الأسلحة لحفظ كراسيهم وعروشهم بينما المسلمون تتم إبادتهم في بعض الدول مثل بورما وأفريقيا الوسطي وبعض مناطق الصين فلا يسأل عنهم أحد.. ومليارات المسلمين مخزنة كل يوم في خزائن أوروبا وأمريكا وآلاف المهاجرين يبتلعهم البحر ولا يجدون قوت يومهم ويموت الأطفال من الجوع ودموع الثكالي والأرامل تملأ الشاشات والفضائيات فينتفض لهم العالم لتسعهم أوروبا بينما أثرياء المسلمين لا يبالون ولديهم الصحراء شاسعة تستوعب الملايين والأموال مكنزة تسع الجميع ثم تتحدث عن الهجرة ونذكر فضائل وايثار الانصار فهل تري أننا سائرون الي ذلك طريق الانصار أم إلي أين؟ نحن ذاهبون؟ ان ما يحدث لا يذكرنا بهجرة المسلمين الي المدينة بل بهجرتهم الي الحبشة وها هو التاريخ يعيد نفسه من جديد فقد اشتركت أوروبا في برنامج لاستيعاب المهاجرين الجدد بينما المسلمون وأثرياؤهم وحكامهم يتفرجون. الدكتور محمود مزروعة أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر الشريف يقول اننا يجب ان نحاسب أنفسنا لنسأل السؤال الذي لابد منه ثم نحاول الاجابة عليه.. لماذا نكرر كل عام الحديث عن الهجرة وأحداثها ثم لا نتعظ بما نقول ولا نستفيد من هذه الدروس؟ وللاجابة علي هذا السؤال لابد ان نبحث جيداً في عقولنا وقلوبنا ونفوسنا هل نحن صادقون حقا مع الله أم أننا نتكالب علي الدنيا فقط.. هل نحن نعمل لأنفسنا فقط أم نتعاون لانقاذ كل المستضعفين من المسلمين؟ أضاف الدكتور مزروعة بصراحة تحول الحديث عن الهجرة الي مجرد اجترار للذكريات والناس حينما يفلسون يكتفون بالحديث عن الذكريات دون عمل أي شيء لأنهم فشلوا في واقع حياتهم وأمورهم وهذا ما فعله أجدادنا بفخر فلماذا لا نقلدهم ونتصرف مثلهم اننا الان نعتمد علي أعدائنا وننتظر معوناتهم وبلادنا تمتليء بالخيرات. ذكر ان البعض يتحدث عن الاسلام وكأنه السبب فيما وصل إليه المسلمون من تخلف وتناحر ويقولون ان الاسلام يجب ألا يخرج من المسجد وأن المصريين فطرتهم علمانية وهذا حديث جهل بتاريخ الأمم وجهل بحديث الفطرة من أناس يدعون أنهم مثقفون ويتساءل أين هذا من دروس الهجرة. أضاف ان الحقيقة التي لا مراء فيها ان المسلمين سادوا الدنيا عندما تمسكوا بدينهم وطبقوا شريعتهم وعلموا العالم القيم والاخلاق والحقائق والتاريخ وشواهد الدنيا تؤكد أيضاً أن بداية تخلف المسلمين كان مع بداية انفراط تمسكهم بثوابت دينهم وتخليهم عن شريعتهم وتركهم أخلاقهم وقيمهم.. هذا واقع وتاريخ لا يستطيع أي حديث في واقع المسلمين اليوم ان يكذبه أو ينفيه. أشار الدكتور مزروعة الي ان المهاجرين عندما هاجروا بدينهم والانصار عندما استقبلوهم ونصروهم لم يكونوا علمانيين كما يقول الأفاقون بل استطاعوا نشر الاسلام في العالم وساد نوره شرقا وغربا لأنهم أخلصوا القيم للدين وتعاليمه. أشار الدكتور مزروعة الي ان الاسلام أخلاق وشريعة عبادة ومعاملة داخل المسجد وخارجه ولن ينتصر المسلمون الا بالعودة الي هذه التعاليم وتطبيقها بصدق واخلاص علي أنفسهم أولا قبل أن يطالبوا بها الاخرين قال ان الهجرة لابد ان تكون أولا بهجرة المعاصي والذنوب لا بالدعوة الي الفاحشة وترويج الشهوات والانفلات من الأخلاق والقيم.. ان الانفلات من هذه الأخلاق ليس له الا معني واحد وهو الانفلات من الدين والعبادة لله رب العالمين وهذا ما لا ترضوه أبداً ولا يرضاه المسلمون. طالب بأن تتسع بلاد المسلمين للمهاجرين الجدد وان يحاولوا ايواءهم ويكفيهم أنهم تركوا أموالهم وديارهم وليس معهم ما يسد رمقهم وجوع أولادهم. ذكر ان المسلمين مروا بفترات كانت أصعب مما هم فيه الان واستطاعوا التغلب عليها وهذا يدعونا الي التفاؤل مهما كانت الصعاب بشرط ان ننصر الله ونتمسك بالدروس والعبر الي تركتها لنا الهجرة النبوية الشريفة والتي سجلها القرآن الكريم في حديثه عن المهاجرين والانصار الذين تمسكوا بها ولم يستمتعوا الي فتنة اليهود والمنافقين.