هل تذكرون رواية الكاتب "راي برادبري" الشهيرة: "فهرنهايت 451". التي ذاع أمرها في العالم أجمع. بعد أن نشرت عام 1953. وحققت مبيعات قدرت بخمسة ملايين نسخة. وتحولت إلي فيلم سينمائي حقق انتشارا كبيرا؟! في هذه الرواية التي هزت العالم كله. رؤية لنظام يكره الحرية. وينفر من الفكر. ويعادي العلم والمعرفة: "لقد كان النظام واضحا. ويفهمه الجميع. الكتب يجب أن تحترق. وكذلك البيوت التي تخبئ الكتب!". فالكتب هي الضوء.. هي الحرية.. هي التمرد علي القيود. وهي التوق للتحرر من الأصفاد. ولذلك يكرهها الطغاة. ويحقد عليها المستبدون. ويتمني أعداء الأمل لو جمعت وحرقت كما كان يفعل نظام "451 فهرنهايت". حتي لا يقرأها إنسان فتتفت بصيرته. ويعرف حقوقه. ويدرك معني أن يحيا بكرامة. وأن يعيش كما ينبغي للبشر الحقيقيين أن يعيشوا. *** استرجعت ذاكرتي صفحات هذه الرواية البليغة العذوبة والدلالة. وأنا أسمع مثقفي الإسكندرية وهم ينعون مكتبات محطة الرمل التاريخية. التي كانت مقصد كل مثقف سكندري. أو ضيف يحل علي الثغر الحبيب. فإذا بها تصبح أثرا بعد عين. أكوام من الركام والأطلال. بعد أن قرر تتار محافظة الإسكندرية. أيا كان اسمهم. أو الجهة التي ينتمون إليها. أن الإسكندرية ليست بحاجة إلي الكتب. فالجهل لأبنائها أفضل. وعماء البصر والبصيرة لناسها أنور!. والحاجة للمعرفة عملة لا مستقبل لها. في مدينة كانت مكتبتها. ذات يوم. عجيبة الزمن ومنارة البشرية! *** يا الله.. لقد قامت ثورات. وأطيح بحكام. وتغيرت حكومات. ودخل رؤساء السجون. وتبدلت الوجوه علي الكراسي. وظل شيء واحد فقط. ثابت كالطود المكين. راسخا لم يتغير: عداء البيروقراطية المصرية للفكر. واستهانتها بالثقافة. ونبذها للمعرفة. وكراهيتها للكتاب!. مع أن "المعرفة قوة". كما قال "فرانسيس بيكون". ومع أننا نعاني من مظاهر عديدة للضعف والوهن. تحتاج معه أن نبحث. بدأب لا سابق له. عن كل مصدر يمنحنا بعض القدرة. وعن كل نافذة تفتح لنا طاقة من النور! *** والمذهل أن هذا الأمر يحدث ونحن جميعا نشكو من غياب الوعي بين الشباب. ومن انتشار الفكر الظلامي. بسبب الأمية الثقافية التي تحاصرنا بالابتذال والسطحية والقبح والبشاعة. والتي تفتح الأبواب علي مصاريعها أمام الأفكار التكفيرية والإرهابية. والمدهش أيضا أن يحدث هذا التصرف الكارثي. بعد أيام قليلة من لقاء وزير الثقافة بجانب من المثقفين في "ورشة الزيتون". حيث كان طلبهم الذي لم يتردد وزير الثقافة في الاستجابة له: نشر المكتبات في ربوع الوطن: في المقاهي والنوادي ومراكز الشباب وجمعيات المجتمع المدني. لتعويد أبنائنا علي عادة التفاعل مع الكتاب. وباعتبار ذلك مدخلا لا غني عنه. لمواجهة فكر التكفير وفقه التخريب والتدمير! *** لقد طلبت من السيد وزير الثقافة. المثقف الوطني المحترم. الأستاذ حلمي النمنم أن يتدخل لوقف مجزرة مكتبات محطة الرمل. وعلمت أنه لم يتأخر عن الاتصال بمحافظ الإسكندرية بهذا الشأن.. والآن الكرة في ملعب النظام. الذي أن نتمني ألا يتجاهل. كالعادة. هذه القضية الخطيرة. ويسكت علي هذه الجريمة الشنعاء. فيكتب في سجله أنه النظام الذي سمح بهدم مكتبات تنشر الثقافة. لكي يبني مولات وأبراجا. قد تجلب نقودا لكنها تخرب أرواحا وعقولا!. والكرة أيضا في ملعب محافظ الإسكندرية الشاب. "هاني المسيري". الذي قد يفعل المستحيل للمحافظة. إن استطاع. وقد يحولها إلي جنة إن قدر. ولكن الشعب المصري كله. لا أبناء محافظة الإسكندرية وحسب. لن يغفروا له أبدا. أن عهده شهد هذه الجريمة. ولن يستطيع أن ينظف ثوبه من عار هدم مكتبة. وإغلاق طاقة للنور. ولن يهرب من سمعته كواحد ممن حرقوا الكتب!