لم يطاوعني قلمي. طوال المرحلة السابقة. منذ دخول صديقي العزيز. الأستاذ "جمال الغيطاني" إلي المستشفي في رحلة مرضه الصعبة الأخيرة. في كل محاولات الكتابة عنه. فلكما هممت بالإقدام علي هذا الأمر. شعرت بقبضة فولاذية تهصر القلب. وتغمر الروح بحزن لا ينقضي. تمنعني من المضي في هذه المهمة المؤسية الشاقة!. وحينما أقول صديقي العزيز "جمال الغيطاني" فقد يتصور البعض أن ما بيننا من صداقة متينة. ناجم عن لقاءات مستمرة. ومقابلات لا تنتهي والحقيقة أن صداقتي للأستاذ الكبير. "جمال" ناجمة عن بضعة لقاءات عابرة وسريعة. أغلبها في محافل ثقافية وفكرية. واتصالات تليفونية طويلة. "كان آخرها قبل أيام قليلة من أزمتة الصحية الأخيرة بمناسبة صدور بيان "صف واحد في مواجهة الإرهاب" تضمنت حوارات عميقة حول الأوضاع في مصر. ودور المثقفين ورجال الفكر والمعرفة والسياسة. والمخاطر والتحديات التي تحيط بنا من كل جانب. وتهديدات الإرهاب والأفكار الظلامية. وتاريخ مصر ومستقبلها وغيرها من القضايا التي نتشارك في الاهتمام بها. ولعلي أقول بثقة أن توافقاً روحياً وسياسياً عميقاً قد تأسس علي هذه الحوارات فقد اكتشفت من خلالها شخصية وطنية عظيمة. عاشقة لتراب هذا الوطن. وتاريخه وحضارته وكل ما يمت له بصلة فضلاً عن اعترافي الأكيد بأني أمام قامة أدبية وفكرية سامقة. قدم للأدب المصري وللأدب العربي. انجازات وعطاءات مبهرة. وشخصية ذات تكوين ثقافي موسوعي الآفاق. امتلكت مشروعاً أدبياً متميزاً. غاصت في التاريخ المصري التليد. الذي شغفت به. وآمنت بمجده. لكي تستخرج درراً أدبية باقية. مست روح ووجدان مصر والمصريين!. والذي يراجع ثبت كتابات الأستاذ "الغيطاني" العامرة بالإبداع ومنها" أوراق شاب عاش منذ ألف عام. الزويل. حراس البوابة الشرقية. متون الأهرام. شطح المدينة. منتهي الطلب إلي تراث العرب. سفر البنيان. حكايات المؤسسة. التجليات. دنا فتدلي. نثار المحو. خلسات الكري. الزيني بركات. رشحات الحمراء. نوافذ النوافذ. وقائع حارة الزعفراني. الرفاعي. رسالة في الصبابة والوجد. رسالة البصائر والمصائر. الخطوط الفاصلة". "يوميات القلب المفتوح" اسفار المشتاق. سفر الأسفار. نفثة المصدور. نجيب محفوظ يتذكر. المجالس المحفوظية. خطط الغيطاني. هاتف المغيب. توفيق الحكيم يتذكر.. وغيرها". لابد وأن يحترم صبر وإصرار هذا المبدع الكبير. الذي يذكرنا بانضباط ودقة أستاذه وأستاذنا "نجيب محفوظ" ودأبه علي العمل والإنتاج. رغم كل المصاعب وظروف المرض والأحداث الجسام التي مر بها ومر الوطن. وعلي المستوي الخاص فلقد انجذبت إلي كتابات الأستاذ "جمال الغيطاني" منذ قرأت أول اعماله المجموعة والمطبوعة "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" وأنا في ميعة الصبا. بعد "نكسة 1967" والتي مثلت فتحاً جديداً في الكتابة الأدبية وتضمنت محتوي المسار الإبداعي التالي للكاتب الكبير. والمستند إلي طرح القضايا المعاصرة من خلال استدعاء وقائع وإشارات التاريخ المصري والعربي القديم. وقد شف هذا العمل الأول. عن كاتب واعد وقلم مطبوع. وأديب عارف. يملك أدواته الإبداعية: الرؤية واللغة. والدراية والثقافة. والدربة والتكنيك. ولقد اضاف الأستاذ "الغيطاني" لهذه الروافد الإبداعية الثرية. رافداً آخر بالغ الأهمية. هو هذا النزوع التصوفي الذي برز في الكثير من أعماله. فبعث بروح شفيفه. زاهدة مأخوذة بعظمة الكون وانضباطه ونظامه. وطارحة لاسئلة الحياة والوجود ومازجة هموم الجسد والمواطن. بأثقال الروح وآلام الفؤاد!. وبعد ما تقدم فإني أغالب نفسي وأحزاني لكي أقول أن صديقي الكبير "جمال الغيطاني" يصارع اليوم أزمة صحية شديدة. ندعو له الله أن يخرجه منها سالماً. فلا زلنا بحاجه إلي هذه القامة العالية. صاحبة الضمير اليقظ. والعطاء الخالص. والقلب الذي لم ينبض إلا حباً للوطن. وأملاً في انتصاره وعطاء من أجل مستقبله وخلاصه.