التدريب علي مهارات الإفتاء أصبح من أهم الأمور التي يجب ان يهتم بها المعنيون بشئون الفتوي في مصر.. فقد كانت إحدي توصيات مؤتمر دار الافتاء الذي عقد مؤخراً في القاهرة غير انه يحتاج إلي خطوات عملية تحدد الصفات التي يجب توافرها في الشخص الذي يمكن قبوله وتدريبه علي الفتوي واختيار المدربين الاكفاء للعمل في هذا المجال المهم الذي يطرح العديد من الأسئلة أهمها: متي سيتم البدء في تنفيذ هذه المهمة.. وما المقصود بها وما الفائدة المرجوة منها.. وهل سيتم التدريب للرجال والنساء أم سيقتصر علي الرجال فقط ولماذا؟.. وهل يصلح كل من درس علماً أو فقهاً للفتوي؟ د. جاد الكريم: المشكلة ليست في المتخصصين لكن فيمن يصلح للإفتاء د. إدريس: الاختيار العشوائي مشكلة .. والعنصر النسائي مهم فتحي الصراوي عرضت هذه الأسئلة علي الفقهاء وعلماء الدين.. وكان هذا التحقيق. الدكتور نوبي جاد الكريم أستاذ الفقه بجامعة الأزهر يقول: ان من أشد المسلمين ظلماً من إذا سألوه عن الحلال أفتي بأنه حرام أو عن الحرام فأفتي بأنه حلال ولذلك فإن مؤتمر دار الإفتاء كان حريصاً علي أن يجعل تدريب المفتين ضمن توصياته. أضاف الدكتور جاد الكريم ان المشكلة التي تقابلنا ليست في قلة العلماء أو الفقهاء ولكن فيمن يصلح منهم للافتاء لأنه ليس كل من يحمل علماً يصلح للفتوي التي تتغير بتغير الزمان والمكان ومراعاة مصالح المجتمع وعدم الضرر وفي ذات الوقت عدم الخروج علي ثوابت الدين. ذكر ان مراعاة كل هذه الأشياء ليس سهلاً ولكنه يحتاج إلي إلمام بكافة الظروف والملابسات والوقائع حتي يستطيع المفتي اصدار الفتوي الصحيحة. قال ان الأئمة الكبار اعطونا المثل والقدوة في هذا المجال.. فمثلاً الإمام مالك سئل في 48 مسألة ولكنه افتي في 16 مسألة منها وأجل الباقي.. علماً بأنه لا يوجد أحد الآن يشبه الإمام مالك في العلم أو الفقه ومع ذلك فقد كان لا يتعجل الفتوي لأن القضية لا تتعلق بشخص المفتي أو طالب الفتوي ولكنها تتعلق بالمجتمع كله وقد تتعلق بقضايا حساسة تحتاج إلي حكمة كبيرة في الافتاء.. فهل تتصور ان يكون هذا سهلاً علي كل صاحب علم يعتقد انه بعلمه قد أصبح مفتياً. المفتي والإعلام ذكر الدكتور نوبي جاد الكريم أستاذ الفقه بجامعة الأزهر ان الفتوي أيضاً تحتاج إلي تخصص دقيق.. لأن المتخصص في مسائل العقيدة لا يمكنه الفتوي في المسائل الفقهية ولكن هذا للأسف لا يعرفه كل المواطنين.. ومن هنا تأتي أهمية العالم المفتي الذي يتعرض لبعض المسائل فيقول لا أعلم دون ان يعتبر ذلك عيباً.. غير اننا نجد ان بعض وسائل الإعلام تقع في هذا الخطأ.. فتستضيف علماء غير متخصصين في بعض القضايا التي تعرض عليهم فيقومون بالافتاء أحياناً بعكس ما يفتي به المتخصصون مما يؤدي إلي وقوع بلبلة وخلافات في المجتمع كله.. ولاشك ان هذه المشاكل لن تحل في يوم وليلة ولكنها تحتاج إلي وقت لحلها غير أننا لابد ان نبدأ. قال ان الفتوي الالكترونية التي تتم عن طريق النت يمكن أيضاً ألا تكون دقيقة والفتوي المباشرة عن طريق التقاء صاحب الفتوي بالفقيه هي الأصدق تعبيراً لأنه تتاح له الفرصة لأن يسأل المفتي عن كافة الظروف والملابسات التي حدثت فيها الواقعة ويجيب صاحب الفتوي بشكل يلمس فيه الفقيه مدي صدق كلامه.. ولابد ان يضع الفقيه في اعتباره ان الفتوي قد يتم نقلها إلي كثيرين قد يعدون بالملايين ومن هنا تأتي أهمية وخطورة وضرورة مراعاة الدقة في الفتاوي الصادرة عن المفتين.. ومن هنا أيضاً تأتي أهمية تدريب الفقهاء والعلماء علي كيفية استخلاص النتائج من الواقعة المعروضة وظروفها للوصول إلي الفتوي الصحيحة. اختلاف الظروف الدكتور عبدالفتاح ادريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر يؤكد انه يوجد لدينا علماء "محشورون" علم ولكنهم لا يستطيعون الفتوي. أضاف انه للبدء في هذا الموضوع لابد من إجراء مسابقة بين البارزين في العلم الذين تنطبق شروط الافتاء العلمية عليهم.. ثم يتم تعميق هذه المادة العلمية عن طريق عمل بحوث واختبارات تؤكد المعاني العلمية وتفرق بين المسائل المتشابهة وتعلمهم كيفية الاستناد إلي الأدلة الصحية للفتوي..ثم بعد ذلك لابد من دراسة واقع وظروف كل دارس خاصة إذا كان هؤلاء من أماكن وبلاد مختلفة لأن الواقع الموجود في ماليزيا مثلاً يختلف تماماً عن الواقع الموجود في مصر لذلك فإن تدريب المصريين يختلف عن علماء آسيا وهؤلاء يختلفون في واقعهم تماماً عن العلماء الذين تريد منهم الافتاء في أوروبا أو أمريكا. ذكر أننا لا نقول هذا الحديث من عندنا ولكن هذا ما قام به الإمام الشافعي رضي الله عنه والمشهور بأن له مذهبين أحدهما في بغداد والآخر في مصر.. رغم ان الدول العربية معظمها يلتقي في أشياء عديدة بالنسبة للظروف والملابسات والأعراف والتقاليد ومع ذلك فإن الإمام الشافعي غير تماماً مذهبه وآراءه الفقهية عندما جاء إلي مصر لدرجة انه قال "ليس في حل مني من يروي عني كتابي البغدادي" ويقصد به ما ألفه في مذهبه القديم في بغداد وهذا يدل علي ان ما طرحه من آراء فقهية يختلف تماماً عما طرحه من آراء في بغداد.. وفي كل هذه الآراء كان الإمام ملتزماً بالقرآن والسنة ولكن أخذا بالتيسير علي الناس وليس التعسير.. وهذا لا يعرفه إلا رجل متعمق في دراسة العلوم الشرعية وفهمها فهماً صحيحاً. ذكر ان الاختيار العشوائي لهؤلاء الذين سنعدهم للافتاء يمكن ان ينتج عنه كارثة لان المفتي يؤثر في المجتمع تأثيراً كبيراً بالفتاوي التي يصدرها خاصة إذا كان في مجتمع يقل فيه علماء الدين أو كان مفتياً لاقليات إسلامية في بلاد أجنبية فهذا سوف يسيء للفتوي والدين وللمسلمين أيضاً لانه سيكون قدوة سيئة لعلماء الإسلام. الاهتمام باللغة أضاف الدكتور عبدالفتاح إدريس انه من الخطأ الفادح ان أطبق فتوي واحدة في مسألة واحدة علي جميع البلاد الإسلامية في ظروف تختلف كل الاختلاف في كل دولة عن الأخري. ذكر انه من الخطورة ايضا ألا يتم الاهتمام باللغة العربية.. وهي لغة القرآن ولا يمكن فهم معاني الدين والقرآن والسنة إلا بدراستها والتعمق فيها.. ولذلك فإن هذا المشروع مسئوليته خطيرة في اختيار العلماء الذين يصلحون للفتوي وتعليمهم أدب الافتاء. من ناحية أخري يشير الدكتور عبدالفتاح إدريس إلي ضرورة اختيار بعض النساء الدارسات أيضاً للعلوم الشرعية بتخصصاتها المختلفة لتدريبهن علي مهارات الافتاء بالشروط التي ذكرناها.. ولأن المرأة قادرة علي فهم واستنباط بعض المسائل الخاصة بفقه النساء عن الرجال مهما بلغوا من العلم.. كما أن المرأة تستطيع مناقشة بنات جنسها في أخطر المسائل الخاصة بهذا التخصص واستخلاص النتائج واصدار الفتاوي التي ربما يعجز عنها الرجال ولذلك فإن العنصر النسائي مهم في هذا المعهد المنوط به تدريب العلماء والفقهاء علي أمور الفتوي.. ونحن ننطلق في هذا من الثوابت الشرعية المعروفة فقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها وزوجة الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من أعظم مفتيات عصرها كما روت الكثير من الأحاديث النبوية وتتلمذ علي يديها وعلي علمها الكثير من العلماء.