أيام ويتولي المفتي الجديد الدكتور شوقي إبراهيم علام منصبه ويترقب الجميع مسيرته التي جاءت بعد الدكتور علي جمعة الذي أمضي في المنصب عشر سنوات أنجز فيها الكثير وطور دار الإفتاء حتي أصبحت إحدي المؤسسات العالمية التي تدافع عن الإسلام.. حاول المفتي السابق قدر استطاعته أن يخلع عباءة اللقب الشهير الذي يلصق بمن يتولي هذا المنصب وهو "مفتي الحكومة" وخاصة انه تولي في عصرين متناقضين قبل الثورة وبعدها من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يقدم فيها العلماء الأكثر شهرة إعلامية من المفتي الجديد نصائحهم المخلصة لهم حتي يقوم بدوره علي خير وجهه ويتجنب ويجنب مؤسسة الإفتاء الغضب الشعبي والهجوم الإعلامي في وقت يبحث كل فريق استخدام فتاوي المفتي الجديد لتأييد موقفه عن طريق "تسييس الفتاوي" بالحق أو الباطل.. فماذا يقول العلماء للمفتي الجديد حتي يستطيع أن يقود سفينة دار الإفتاء المصرية بسلام؟ في البداية يقول الدكتور محمد المختار المهدي.. الرئيس العام للجمعية الشرعية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: للمفتي الجديد علينا حق النصيحة والمساندة تنفيذ القول رسولنا صلي الله عليه وسلم "الدين النصيحة ثلاثا قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". لهذا انصح المفتي الجديد أن يلتزم بشرع الله وحده ولا يخش في الله لومة لائم طالما قول الحق لوجه الله دون مراعاة للحكام أو المعارضين أو الضغوط السياسية الداخلية أو الخارجية. وأضاف الدكتور المهدي: لا نريد من المفتي الجديد أن يتأثر بأي تيارات تغريبية لهذا المجتمع المسلم ولو كانت هناك آراء ضعيفة أو باطلة في تراثنا لا نريد أن نستخرجها لإرضاء الآخرين فنحن نريد إرضاء الله عز وجل ونسير علي ما أتي به جمهور الفقهاء مع مراعاة لظروف الواقع المعاش وندعو الله له أن يملأ الفراغ وخاصة انه جاء بعد مفت نشيط ومنفتح علي العالم وقارئ جيد لأحداث الداخل والخارج. وأنهي الدكتور المختار المهدي كلامه بالتأكيد علي انه مستبشر خيرا بالمفتي الجديد وخاصة اننا نعلم بأنه ليس منتميا إلي أي تيار سياسي فهذا مؤشر طيب علي عدم انحيازه لأي طرف سياسي في ظل الأوضاع الملتهبة حاليا ولهذا لابد أن يكون علي مسافة واحدة من الجميع ولا ينصف نفسه إلا مع الحق فقط وأن يحاول أن يطبق عمليا قوله تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". الوعي بمشكلات الواقع أكد الدكتور مختار عطا الله.. مدير مركز البحوث والدراسات الأسمية جامعة القاهرة انه لابد أن يحرص المفتي الجديد علي الاحتفاظ بما يتمتع به من سمعة طيبة ووسطية واعتدال وسط هذا الاستقطاب الحاد في المجتمع فلا يظهر تأييده لفصل علي حساب آخر وهذا أمر ليس بالسهل في ظل تقديم طلبات للفتوي لها مآرب سياسية ثم يتم توظيفها إعلاميًا لنصرة فصيل علي آخر وخاصة ان كثيرا من الفضائيات الآن تلتزم الموضوعية في تغطية الأحداث وإنما بعضها ينفذ أجندات ولهذا لابد أن يكون المفتي علي وعي بذلك وأن يحاول أن ينأي بنفسه عن الحروب الإعلامية غير الشريفة. طالب الدكتور مختار عطا الله المفتي الجديد الالتزام بالمنهج الأزهري الوسطي المعتدل والرجوع إلي رأي جمهور الفقهاء والعلماء القدامي والمعاصرين في النوازل والقضايا الفقهية المستجدة التي لم يرد فيها نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية. حذر الدكتور مختار عطالله من أدعياء الإفتاء أو المتطفلين عليها الذين قد يسببون مشكلات ومعارك للمفتي الجديد وذلك لأنهم نسوا تحذير رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال: "من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ بيتًا في جهنم ومن أفتي بغير علم كان إثمه علي من أفتاه ومن أشار علي أخيه بزأر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه". بل ان هؤلاء يضرون بمسيرة الإفتاء والوعي الديني بوجه عام ويسرعون في تحقق ما قاله رسول الله صلي الله عليه وسلم : "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وحث الدكتور مختار عطا الله المفتي الجديد العمل الجاد لمواجهة فوضي الفتاوي الحالية ومرض الفتاوي السياسية أو المسيسة مما أفقد الجماهير الثقة ببعض العلماء وكذلك علي المفتي الجديد عدم الانفراد بالرأي خاصة في القضايا الحساسة التي تحتمل أكثر من رأي فقهي لأنها اجتهادية لم يرد فيها نص قطعي وعدم الرضوخ لأي إملاءات سياسية وعدم الارتكان إلي الرأي الفقهي الواحد والرجوع إلي علماء الأزهر وآراء جمهور العلماء والارتكاز علي الإفتاء أو الاجتهاد الجماعي الذي يكون أكثر قوة وبالتالي عليه الاستعانة بعلماء مجمع البحوث وأعضاء هيئة كبار العلماء وبكل عالم مخلص يعمل علي رفعة البلاد والعباد. مفتي الحكومة أوضح الدكتور محمد عبداللطيف قنديل الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر ان من مميزات المفتي الجديد انه رجل معتدل ودارس للفقه الذي هو سلاح الفتوي ولابد أن يكون متابعا جيدا للتطورات التي تحدث الآن في مصر وأخذ رأي العلم والمشورة وألا ينفرد بفتاوي فردية إلا بعد الرجوع إلي مستشاريه وأعضاء لجنة الفتوي. ودعا الدكتور عبداللطيف قنديل المفتي الجديد إلي قراءة سير المفتين الصالحين عبر العصور والذين يخافون الفتوي فيستخيرون ويدعون قبل أن يفتوا لأنهم كانوا يهابون الفتوي ويخافون عاقبتها في الآخرة. وتحضرني مقولة عبدالله بن مسعود "من أفتي الناس في كل ما يستفتونه فهو مجنون" وتأكيد عبدالله بن عباس لنفس المعني بقوله "من أفتي الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون". سير السابقين وأوضح الدكتور قنديل ان للفتوي آدابا يجب أن يتحلي بها المفتي الجديد وقد أوجزها الإمام أحمد بن حنبل حين قال: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتي يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا علي كلامه نور. والثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة. والثالثة: أن يكون قوياً علي ما هو فيه وعلي معرفته. والرابعة: الكفاية "أي من العيش" وإلا مضعه الناس. والخامسة: معرفة الناس. وقال الإمام الشاطبي: المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس علي المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلي طرف الانحلال. ووصف الدكتور عبداللطيف قنديل المفتي الجديد رغم عدم بزوغه إعلامياً انه عالم معتدل ومعروف بالوسطية غير حريص علي الظهور الإعلامي بمناسبة أو غير مناسبة بل يحمد له انه ليس مريضا بالتهافت الإعلامي أو الجري وراء الفرقعة الإعلامية وهذا ما نحتاجه في الوقت الحالي. وأشار الدكتور قنديل إلي انه يحمد للمفتي الجديد أيضاً انه حريص علي اتباع المنهج الأزهري المعتدل بالإضافة إلي أنه يتمتع بالمواصفات التي يرغب فيها الجمهور والشارع المصري. وأهمها السماحة واتصافه بالاعتدال والانفتاح علي كل التيارات وبالتالي فهو ليس مفتيا تابعة الجماعة أو فصيل معين أو حتي ممن يمكن أن نطلق عليه "مفتي الحكومة". طالب الدكتور عبداللطيف قنديل المفتي الجديد بأن يتبع رأي جمهور العلماء والرأي الأقوي في الفقه الإسلامي وأن تكون لديه لجنة استشارية من جميع المذاهب الفقهية والتخصصات الشرعية ليستعين بها في مهمته البالغة الأهمية في الظروف التي تمر بها البلاد وألا يصدر فتوي إلا بعد التيقن والتأكد والرجوع للمصادر وأهل العلم وأهل التخصصات الفقهية وكذلك المستشاروندا والمتخصصون في سائر العلوم الشرعية كما يجب علي المفتي أن يحارب الفتاوي التي تصدر عن طريق بعض وسائل الإعلام المختلفة لأنه لو نجح في ذلك لما استطاعوا أن يصلوا إلي مبتغاهم. تسييس القوي أشار الدكتور منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلي ضرورة التزام المفتي الجديد بأن يراعي فقه الواقع فيبحث لكل داء عن دواء ولكل علة عما يزيلها ويدفعها وليس معني فقه الواقع أن يحرم حلالا ويحل حراما وإنما معناه أن نبحث في الأمور وما يستجد في المجتمعات البشرية عما يناظرها في الإسلام فإن وجدنا لها حلا في كتاب الله تعالي فهذا هو الحل وإلا فبسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وهناك القياس والإجماع وهي وسائل الاجتهاد التي يتسلح بها أهل العلم في علاج المشكلات والأمور التي لم تكن موجودة في المسلمين من قبل. وحث الدكتور منير جمعة المفتي الجديد أن يحرص علي مواصلة تطوير مؤسسة دار الإفتاء لجعلها من أكبر المؤسسات الفقهية في العلم لتكون مرجعية للمسلمين في العالم وأن يطور من أداء الإفتاء بالاستعانة بالمستشارين وأهل العلم والفقه لنشر وسطية الإسلام في العالم وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدي الغرب عن الإسلام ونبيه وذلك لنشر وسطية الإسلام. قال الدكتور منير جمعة: أري أن لدي المفتي الجديد من الوعي ما يجعله يتبع الرأي الذي يتفق عليه علماء الأمة وجمهور المسلمين حتي لا يكون هناك فتاوي شاذة أو خارجة عن إطار الإسلام وأن يتسم بالوسطية والاعتدال وألا يتسم بالغلو والتشدد فهذا هو منهج الإسلام وأن يطبق عملياً قوله تعالي. طالب الدكتور منير جمعة المفتي الجديد بأن يفتح باب دار الإفتاء للمحتاجين إلي الفتاوي من مصر خارجها حتي يحافظ علي صفة العالمية لها وألا يصدر فتوي إلا بعد الرجوع إلي المراجع وأمهات الكتب وأن يشكل لجنة استشارية من جميع التخصصات الشرعية وجميع المذاهب الفقهية ليستعين بهم فيما يصدره من فتاوي بالإضافة إلي ضرورة النظر في واقع مصر والأمة الإسلامية في هذه المرحلة ويشخص الدواء الشرعي الناجح وعليه أيضا ان يتيح الفرصة لمن يريد أن يستفتي سواء جاء بنفسه أو عن طريق الهاتف والتليفون وأدعو الله من كل قلبي أن يوفقه ويوفق جميع العلماء إلي ما فيه الخير للأمة بأكملها. وفي نهاية كلامه حذر الدكتور منير جمعة المفتي الجديد من التأثر بأي ضغوط سياسية أو توظيف الدين لصالح السياسة أمر بالغ الخطورة ولهذا عليه عدم الخضوع والرضوخ للضغوط والإملاءات السياسية من قبل الأحزاب والقوي السياسية وأن يقول ما يحقق أصالة الإسلام ويحقق المصلحة العامة بغض النظر عن رضائها القوي السياسية عن ذلك أو عدم رضائها. كما ينبغي علي المفتي ألا ينفرد بإصدار فتاوي ذات صبغة عامة تتعلق بمصير البلاد والعباد وأن يعرض الأمر علي هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث لما يترتب عليه من خطورة ومسئولية كبيرة. وأيضاً التواصل مع اخوانه العلماء للاستشارة وتبادل الرأي حتي يمكن أن يكون الرأي صادرا عن دراية وخبرة بالذات في الوقت الحالي الذي طرأت عليها مستجدات وقضايا كثيرة وخاصة انه يحمد للمفتي الجديد اعترافه بأنه أزهري لحما ودما وعظما ومنهجه وسطي وليس منتميا إلي أي تيار أو حزب سياسي وهو ملتزم بوسطية الأزهر وسياسته محليا وعالميا.