الحديث عن عنتيل الفلوس الجديد الملقب بالمستريح.. والذي ظهر في المنيا وسرق شقي ألاف الغلابة في صعيدنا المبتلي.. يبدأ من حواديت جدي.. فجدي رحمه الله الذي غادرنا إلي دار البقاء عن عمر يتجاوز التسعين عاما.. كان أكثر عبقرية من البنك المركزي واكثر فهما لمبادئ الاقتصاد من خبراء ووزراء المجموعة الاقتصادية. قال جدي في امسية شتائية شديدة البرودة: هي فلوسكم دي فلوس.. زمان كانت البيضة بمليم وكيلو اللحمة البلدي بقرشين.. زمان اللي كان بيقبض جنيه في الشهر عايش ملك والنهاردة اللي بياخذ الف شحات.. خلص كلام جدي ليبدأ حديث المصارحة والمواجهة مع الحكومة والمصرف المركزي وكل من يشاركون في اغتيال الطبقة المتوسطة بسياسات اقتصادية هدفها تخفيف اعباء الدين المحلي علي الحكومة علي حساب المصري المنحوس الذي لم يعد يعرف كيف يتقي الضربات التي تأتيه من كل اتجاه. كلام جدي الذي يعرفه كل اقتصادي مبتدئ معناه ان القيمة الشرائية أو قيمة العملة تنخفض كل عام بمعدل يساوي معدل التضخم.. وان الجنيه الان سوف لا يساوي اكثر من ربع قيمته بعد عشر سنوات.. وهذا يقودنا إلي اهم وعاء ادخاري استثماري أو الذي كان كذلك لسنوات طويلة قبل ان يتم القضاء عليه بواسطة الحكومة والبنك المركزي.. ونقصد هنا شهادات الاستثمار التي يصدرها البنك الأهلي نيابة عن هيئة الاستثمار القومي الحكومية.. فمدة الشهادة هي عشر سنوات.. وهي اطول مدة لوعاء ادخاري استثماري في مصر.. ومنذ انشاء شهادات الاستثمار كانت تتمتع بمعدل فائدة يزيد علي اعلي فائدة لاي وعاء ادخاري اخر في مصر.. حتي اكتشفت الحكومة ومعها المصرف المركزي ان خفض فائدة شهادات الاستثمار يخفض اعباء فوائد الدين الداخلي علي الموازنة.. ففتحت الباب امام ريان المنيا المستريح وامام غيره كثيرين اليوم وغدا والي ما شاء الله.. ليستولوا علي ثرواتهم البسيطة مقابل وهم توفير عائد مناسب يساعدهم علي مواجهة متطلبات الحياة الصعبة. هناك ملايين الأشخاص الذين يملكون مبالغ صغيرة.. منهم من عمل سنوات في الخارج وعاد بحصيلة شقي الغربة.. أو من خرج إلي المعاش وحصل علي مستحقات نهاية الخدمة أو من اجبر علي التقاعد المبكر في هوجهة بيع القطاع العام.. وغيرهم كثيرون.. ولأنهم لا يعرفون كيف يستثمرون ثرواتهم المحدودوة للحصول علي عائد مناسب.. يبحثون عمن يفعل ذلك لهم.. وهذا في جانب منه يفسر توفير اكثر من ستين مليار جنيه لقناة السويس الجديدة خلال أيام.. وهو أيضا ما يفسر ظهور الريان الجديد مستريح الصعيد. لا يوجد تفسير للفارق الهائل بين عائد شهادات القناة الخمسية وعائد شهادات الاستثمار والذي يصل 25.2 بالمائة سوي نظرية الاجهاز علي الطبقة المتوسطة.. ولا يوجد اي منطق يمكن ان يبرر ان تكون فائدة الوعاء الاستثماري الاطول والأهم اقل بمعدل يقترب من 2 بالمائة عن معدل التضخم المعلن بواسطة الحكومة نفسها.. سوي أن المصري المنحوس المبتلي بعناتيل الفلوس اصبح مطالبا بدفع فاتورة فساد من اضاعوا المليارات من اموال شهادات الاستثمار وأموال التأمينات وعجزوا عن استثمارها في مشروعات لها قيمة وتدر عائدا مناسبا. المصري المنحوس سوف يظل يبحث عمن يوفر عائدا مناسبا علي مدخراته المحدودة.. وبما ان الحكومة استغنت عن خدمات الممول الصغير لمشاريعها الاستثمارية فسوف يبحث عن المستريح والريان وكل من يعده بما يوفر له متطلبات حياة كريمة.. وسوف تدفعه الحاجة إلي الوقوع في ايدي امثال هؤلاء فيما حكومتنا السنية عاجزة عن الاستفادة من هذه المدخرات في تنفيذ مشاريع مماثلة لمشروع القناة الجديدة ولدينا الكثير منها.. المحطة النووية ومنخفض القطارة واستصلاح الأراضي ومشاريع محور القناة وغيرها. هناك الان آلاف الاسر التي تعاني معاناة هائلة بسبب المستريح.. بل ان بعضها معرضا للانهيار الكامل بعد ان دفع كل ما يملك لهذا النصاب.. فمن يتحمل وزر هؤلاء الباحثين عن حق الحياة بكرامة؟.. والي متي تستمر معاناة اصحاب المدخرات البسيطة.