ولم يكن نهر النيل وحده هو الذي أتي عليه حين من الدهر كان نسياً منسياً.. بل إن دول حوض النيل الشقيقة.. ومعها قارة افريقيا كلها.. كانت كذلك نسياً منسياً.. إذ انشغلت مصر فيما قبل بدول الشمال وأغفلت دول الجنوب.. وغاب عن المسئولين فيها أن نهر النيل يستمد كل مائه من خارج الحدود.. أي من دول المنابع التي تعتبر عمقاً استراتيجياً لمصر.. غاب التواصل بين مصر وشقيقاتها.. بل وفقدت الثقة - أو كادت - بين مصر ودول حوض النيل.. وخاصة دولة أثيوبيا التي تمدنا ب 85% من حصتنا في نهر النيل.. ومن ثم ضعف الأمل - وربما فقد - في زيادة مواردنا المائية.. التي ظلت ثابتة لم تزد قطرة واحدة علي مدي أكثر من نصف قرن من الزمان "وبالتحديد منذ عام 1959" وانحصرت حصة مصر من مياه النيل في "5.55" خمسة وخمسين ونصف مليار متر مكعب سنوياً.. وكان تعداد مصر آنذاك عشرين مليوناً.. ورغم تضاعف عدد السكان - اليوم - إلي أكثر من أربعة أمثاله آنذاك.. ورغم زيادة مطالبنا من المياه إلي أكثر من ستة أمثالها آنذاك.. فإن هذه الحصة المحدودة ظلت ثابتة.. مما دخلت معه مصر في دائرة الفقر المائي.. وربما الشح والندرة المائية.. ذلك أن المقرر عالمياً أن نصيب الفرد من الماء لكافة الاستخدامات ينبغي آلا يقل عن "1000" ألف متر مكعب سنوياً.. ذلك هو حد الفقر المائي.. وللأسف الشديد فقد تناقص نصيب الفرد في مصر حالياً ليصل إلي ما يقرب من "600" ستمائة متر مكعب سنوياً.. ومن ثم أصبحت مصر معرضة للمجاعة المائية.. أي أن الأمن المائي.. وهو قاطرة الأمن القومي المصري أصبح مهدداً بالخطر الجسيم.. وذلك ما نبهنا إليه بدق ناقوس الخطر مراراً وتكراراً.. ذلك علي مدي خمسة عشر عاماً أو يزيد. والحق.. أن الحملة القومية لإنقاذ وحماية نهر النيل التي أطلقتها الدولة مؤخراً.. بتوجيه من القائد المنقذ الرئيس السيسي.. جاءت في وقتها تماماً لتتحمل الدولة كامل مسئوليتها في مواجهة هذا الخطر الداهم الذي يمس حياة مصر والمصريين.. بيد أن حماية شريان مصر والمصريين بعد إنقاذ نهر النيل من أيدي الباغين والمعتدين الذين لا يرقبون في وطنهم وشعبهم ونيلهم شريان حياتهم.. إلا ولا ذمة ذلك ليس واجب الدولة وحدها.. وإنما هو فرض عين علي كل مصري ومصرية.. تلكم هي الفريضة الغائبة التي يجب أن يستحضرها ويؤديها كل شعب مصر وفي طليعته شركاء التنمية الثلاثة: الحكومة. والقطاع الخاص "رجال الأعمال" ومنظمات المجتمع المدني.. لأنها قضية حياة.. تتقدم وتعلو علي كل قضايا الوطن دون استثناء.. ولقد قلت - ولازلت أقول - أنه ليس بالقانون وحده ولا بقوي الأمن يتحقق إنقاذ مصر النيل.. ثم حمايته وصيانته: بترشيد استخدام مياهه وتجفيف مصادر تلويثه وإزالة ما عليه من تعديات.. وصحيح أن القانون يجب تعديله لتتكافأ العقوبات مع خطورة جرائم التعدي بكل أنواعه.. ولتكون هي عقوبة الجناية وليست الجنحة.. وصحيح يجب أن تظهر الدولة ممثلة في أمنها اليد الحديدية لتمنع وتردع المتعدين علي النيل والملوثين له والمستخدمين لمياهه استخداماً جائراً.. ولكن يأتي قبل هذا كله وبعده الوعي.. استنفار الضمير العام والوازع الديني والوطني والخلقي.. ليدرك كل مواطن صغيراً كان أو كبيراً أن الحفاظ علي نقطة الماء وعلي شريان الحياة وتحصينهما من التلويث والإهدار والعدوان.. وأن حراسة نهر النيل.. كل ذلك واجب وطني وديني وأخلاقي.. تلكم هي الحملة القومية لنشر الثقافة المائية ومحو الأمية البيئية التي نادينا بها - ولازلنا - علي مدي خمسة عشر عاماً.. إلي أن حقق الرئيس السيسي ومعه حكومته الرشيدة هذا الأمل الذي كاد أن يخيب.. وهذا الرجاء الذي كاد أن يزول ويغيب. إن من بين أهداف الحملة القومية لإنقاذ نهر النيل "ولنشر الثقافة المائية والبيئية" أن يعلم الجميع علم اليقين أن من يعتدي علي النهر أو يلوث ماءه أو يهدرها ويسرف في استهلاكها.. وأن من يتعدي علي حرم النهر وضفافه وأعطافه.. هو خائن لوطنه ولأهله ولدينه ولضميره وأخلاقه.. وهو يقف في صف واحد مع أعداء الوطن الذين لا يريدون له خيراً. والحديث موصول بإذن الله