يتحدث الكاتب الكولومبي الشهير جابريل جارسيا ماركيز "1927 2014" في مذكراته عن علاقته بالسينما كمشاهد وكاتب مراجعات نقدية بالصحف لبعض الوقت. وكما هو معلوم حصل ماركيز علي جائزة نوبل في الأدب عام 1982. ونشر أشهر رواياته بعنوان "مائة عام من العزلة" عام 1967 تعرف ماركيز علي السينما الأمريكية والأوروبية التي كانت تعرض بانتظام في دور العرض بكولومبيا مبكراً. وكان معجباً بأفلام همفري بوجارت وجاري كوبر وجريجوري بيك. ووقع في حب أودري هيبورن عندما شاهد فيلم "إجازة في روما". وعندما بدأ يكتب عن الأفلام في الصحافة كانت الواقعية الجديدة الإيطالية في عز مجدها. وأحب ماركيز أسلوب المخرج الإيطالي فيتوريودي سيكا خاصة فيلم "سارق الدراجات" واعتبره "أكثر الأفلام إنسانية في تاريخ السينما". كما أعجب باعمال أورسون ويلز خاصة فيلم "القصة الخالدة" وكذلك أعمال الياباني أكيرا كوروساوا خاصة فيلم "اللحية الحمراء". هل تأثر ماركيز بولعه بالسينما وكثرة تردده عليها؟ هل من الممكن أن يتعلم الكاتب من السينما؟.. يقول ماركيز: "في حالتي السينما كانت مفيدة ومعوقة في نفس الوقت.. تعلمت كيف أفكر في الصورة التي تعبِّر عن أفكاري إنها الوسيط الأمثل للتعبير. وقد أربك هذا التفكير كل مؤلفاتي السابقة علي "مائة عام من العُزلة". كان عندي الهوس بالإطار العام بالأشياء التي يمكن تنفيذها علي الشاشة والتي لا يمكن تنفيذها. واكتشفت ذلك مبكراً. لكن بعد ذلك عرفت أن إمكانيات الرواية غير محدودة وتجعلني انطلق بالخيال والسحر وأتحرر من قيود تحويل ما أكتب إلي صورة في السينما. لقد ذكر العديد من النقاد أن أعمال ماركيز ما قبل "مائة عام من العُزلة" سينما مغلفة بالأدب. وتتمير بخصائصها البصرية القوية جداً وهو أمر يعود إلي تأثير السينما الكبير عليه. ويقول ماركيز إن قصته الشهيرة "ليس لدي الكولينول من يكاتبه" تبلوت في ذهنه عقب مشاهدته لفيلم "أمبرتو" لفيتوريو دي سيكا. فقد ذكرته الشخصية الرئيسية في الفيلم بجده تماماً. وصلنا إلي الشخصية التي تركت تأثيراً كبيراً علي عقل ماركيز الطفل وعلاقته بالسينما وهو جده "بابا ليلو" الذي كان يصحبه بين الحين والآخر إلي السينما رغم اعتراض الجدة التي كانت تري في السينما خلاعة لا تناسب الحفيد البريء. المهم ان شخصية الجد فتحت أمامه أبواب هذا العالم السحري الذي ظل يسكن خياله للأبد. وكان أستاذه الأول في قراءة الأفلام وتحليلها. يقول ماركيز: "وعندما كنا نشاهد فيلماً كان في اليوم التالي يطلب مني رواية الفيلم علي المائدة. ويصحح لي نسياني وأخطائي ويساعدني علي إعادة بناء المقاطع الصعبة. وقد أفادني ذلك في الدراما بشكل عام خاصة حيث بدأت أرسم القصص المسلسلة قبل أن أتعلم الكتابة". كما تأثر ماركيز بشخصية أنطونيو داكونتي صديق جده الذي انتحر بعد مشاهدته فيلم "كل شيء هاديء في الميدان الغربي" المأخوذ عن رواية لأديب للأدب إريك ماريا إيمارك ويقول ماركيز في مذكراته عن ذلك: "الرجل لم يحتمل صدمة أن يري نفسه علي الشاشة مهزوماً مع كتيبته الممزقة أشلاء في نورماندي". كذلك تأثر ماركيز بصديقه ألفاروسيبيدا الذي عاد من نيويورك بعد أن حصل علي شهادته الجامعية. وكان أحد كبار عشاق السينما ساهم في الهام ماركيز بالكثير من الأفكار لكتابة عموده الصحفي وقدم له دورة تعليمية سينمائية نقدية كاملة. ساعدت ماركيز عندما بدأ التعليق علي الأفلام في جريدة سبيكتاتور الكولومبية. وكان صاحب دار العرض يهدد الصحيفة بإلغاء الإعلانات إذا كتبت بشكل سلبي عن الأفلام التي يعرضها. وهو ما كان يحدث ولكن لم يدم شهر العسل هذا طويلاً! واستمرت علاقة ماركيز بالسينما مستمرة بعد مرحلة شبابه خاصة عندما سافر إلي أوروبا بداية الستينات. كتب بعض السيناريوهات بالاشتراك مع صديقه الأديب الكبير كارلوس فونتيس. وكتب أول أعمال المخرج المكسيكي المعروف أرتورو ريبستين. كما التقي ماركيز بالمخرج الإسباني الشهير لويس بونويل وأهداه نسخة من رواية "مائة عام من العزلة".