اعتني الفقهاء بتعريف السفر. واهتموا بحقيقته الشرعية. وتحققوا من المسافة التي اذا قطعها الانسان يسمي مسافرا في الاصطلاح الشرعي. لما يتعلق بالسفر من احكام عبادية كثيرة في ابواب الصلاة والصيام والزكاة وغيرها. والسفر في اللغة: هو قطع المسافة البعيدة. والجمع اسفار تقول: سفر الامر سفورا اي وضح وانكشف ولذلك سمي السفر سفرا لانه يكشف عن وجوه المسافرين واخلاقهم. فيظهر ما كان خافيا. واما السفر في اصطلاح الفقهاء فهو الخروج الي الطريق العام علي قصد قطع مسافة القصر الشرعية فما فوقها دون نية ارتكاب معصية فالخروج بقصد التنزه او التمشية علي الطريق العام. وليس بقصد قطع مسافة القصر. لايسمي سفرا حتي ولو قطع تلك المسافة. وهذا ما يطلق عليه الفقهاء. الخروج هائما علي وجهه كمن يأخذ اهله او صديقا له في سيارته بقصد التحاكي معه. واخذهم السير شيئا فشيئا. ثم وجدوا انفسهم قد قطعوا مسافة القصر. فليس لهم حق في قصر الصلاة. لانهم ما خرجوا بقصد السفر. وكذلك من كان سفره بقصد ارتكاب معصية كسرقة او ارتكاب جريمة قتل - والعياذ بالله - ليس له الحق في الانتفاع برخص السفر من قصر الصلاة ونحوها لأن رخص الله تعالي لاتنال بمعصيته. كما ذهب الي ذلك اكثر اهل العلم. والمقصود بمسافة القصر تلك المسافة التي يجوز فيها شرعا للمسافر ان يقصر الصلاة الرباعية. وهي صلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة العشاء. الي ركعتين. فيصلي الظهر ركعتين فقط ويصلي العصر والعشاء كذلك بدلا من اربع ركعات وتسمي هذه المسافة مسافة القصر لان قصر الصلاة هو اشهر احكام السفر والمسافة التي يجوز القصر بقطعها في السفر هي نفسها المسافة التي تتعلق بسائر احكام السفر من الفطر في صيام شهر رمضان والمسح علي الخفين او الجوربين بدلا من غسل الرجلين في الوضوء ثلاثة ايام للمسافر. ومنع المرأة من السفر وحدها دون محرم او زوج. وغير ذلك من احكام السفر لذلك اطلق الفقهاء علي هذه المسافة مسافة القصر ولم يطلقوا عليها مسافة السفر لان الاسفار تختلف بالاعراف ولاترتبط بمسافة معينة بخلاف قصر الصلاة وغيرها من الاحكام العبادية المتعلقة بالسفر. فإنها مقدرة عند الجمهور وقد اختلف الفقهاء. في تحديد مسافة القصر أو مسافة السفر التي يتعلق بقطعها حكم قصر الصلاة وسائر احكام السفر حتي قال ابن المنذر: انها قد بلغت عشرين قولا. وسبب الخلاف كما يقول ابن رشد: هو معارضة المعني المعقول من السفر لحقيقة لفظه. وذلك ان المعقول من تأثير السفر هو المشقة الموجودة فيه. واذا كان الامر علي ذلك فيجب القصر حيث المشقة. والمشقة لاتكون الا من السفر الطويل واما من نظروا الي حقيقة اللفظ فقط فقالوا: قد قال النبي صلي الله عليه وسلم فيما اخرجه احمد واصحاب السنن وحسنه الترمذي من حديث انس "ان الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة" فكل من انطلق عليه اسم مسافر جاز له القصر والفطر. ولو كانت المسافة قصيرة جدا.