وضع الإسلام أحكاما تيسيرية للمسافر بما يمكن تسميته رخص السفر. لما يلزمه من مشقة غالبا. ومن أهم تلك الأحكام: سقوط وجوب صلاة الجمعة علي أن يؤدها ظهرا. وقصر الصلاة الرباعية. والجمع بين الصلاتين المتداخلتين في الوقت. والفطر في رمضان. وإطالة أمد المسح علي الخفين أو الجوربين. وسنحاول بيان تلك الرخص تباعاً. "1" أما صلاة الجمعة فهي من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة. ويدل علي فرضيتها قوله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله وذروا البيع" "الجمعة: 9". وحكي الخطابي عن الإمام الشافعي في مذهبه القديم بالعراق. وهو قول بعض الشافعية: أن صلاة الجمعة فرض علي الكفاية يعني إذا قام بها بعض المكلفين سقط الذنب عن الباقين لأن الأمر بها علي العموم. وأنكر الروياني والزرعي. وغيرهما من أئمة الشافعية. نسبة هذا القول للشافعي. وقالوا: لم يقل الشافعي هذا قط. والسبب في هذا الغلط عليه. أنه قال في صلاة العيد: "إنها تجب علي من تجب عليه صلاة الجمعة". قالوا: فهذا نص من الشافعي ان صلاة العيد واجبة علي الأعيان كصلاة الجمعة. لأنها من أعاظم شعائر الإسلام الظاهرة. وقد ذكرنا هذا القول الذي حكاه الخطابي. مع ضعفه عند الجمهور رحمة بكبار السن. والمعوقين الذين يشقون علي أنفسهم بالذهاب إلي الجمعة. وتسلية للطلاب الملتزمين الذين يقع امتحانهم ساعة الجمعة. أو الذين يدرسون في بلاد لا تعطل الدراسة يوم الجمعة فلهم أن يترخصوا بهذا القول. ومع ذلك. فقد أجمع الفقهاء في الجملة علي أن صلاة الجمعة لا تجب علي المسافر. والواجب في حقه ان يصلي الظهر. وله أن يصلي الجمعة إذا شاء. لأن الاستقرار بالإقامة من شروط وجوب الجمعة. وليست من شروط صحتها. ويدل علي عدم وجوب صلاة الجمعة علي المسافر ما أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند فيه مقال. عن جابر بن عبد الله. أن النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا علي مريض أو مسافر أو صبي أو مملوك. ومن استغني عنها بلهو أو تجارة استغني الله عنه والله غني حميد". "2" وأما قصر الصلاة فقد أجمع الفقهاء علي مشروعية قصر الصلاة الرباعية وهي "الظهر والعصر والعشاء" في السفر. فيصليها المسافر ركعتين علي سبيل الوجوب عند الحنفية وقول للمالكية. بمعني أن المسافر لو تعمد أن يصلي الظهر أربعا بطلت صلاته. لأن الفرض في حقه ركعتان. والزيادة علي القدر المفروض عمدا تفسد الفرض. ويري الجمهور ان قصر الصلاة الرباعية للمسافر رخصة. بمعني أن الحق للمسافر إن شاء صلي الظهر أربعاً. وإن شاء صلي الظهر ركعتين. لأن القصر رخصة شرعت للتيسير علي المسافر. فيرجع في اختيارها إليه. ويدل لمذهب الحنفية علي وجوب قصر الصلاة الرباعية للمسافر ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة. رضي الله عنها. قالت: "فرضت الصلاة ركعتين. ثم هاجر النبي صلي الله عليه وسلم ففرضت أربعاً. وتركت صلاة السفر علي الأول". فعلمنا ان صلاة السفر ركعتين من الأصل. ويؤكد هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عباس. رضي الله عنهما. قال: "إن الله عز وجل فرض الصلاة علي لسان نبيكم. صلي الله عليه وسلم. علي المسافر ركعتين وعلي المقيم أربعاً. وفي الخوف ركعة". ويدل للجمهور علي أن قصر الصلاة الرباعية للمسافر رخصة ترجع إلي اختيار المسافر لأمر نفسه. قوله تعالي: "وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" "النساء: 101". والتقييد بالخوف كان في بادئ الأمر ثم وسع الله تعالي علي الأمة. لما أخرجه مسلم من حديث يعلي بن أمية. قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف نقصر الصلاة وقد أمنا؟ فقال عمر: عجبت مما عجبت منه. فسألت رسول الله صلي الله عليه وسلم. فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". ولأن من حسن العبادة أن يقبل العبد صدقة ربه. فقد ذهب الجمهور إلي أن الأولي بالمسافر أن يختار رخصة قصر الصلاة الرباعية.