* التعديات علي الأراضي الزراعية موجودة منذ عشرات السنوات. ولكنها استفحلت وتفاقمت بعد اندلاع ثورة 25 يناير وما أعقبها من انفلات أمني وتراجع دور الشرطة وأجهزة الدولة بمختلف مؤسساتها. * كلما سافرت إلي قريتي بمحافظة سوهاج يزداد حزني وألمي علي هذا الكم الهائل والمساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية التي تحولت في لحظة من النسيان والإهمال إلي غابات من الأسمنت واختفت المساحات الخضراء من معظم أراضي القري والنجوع بمختلف محافظات الصعيد. * بالأمس كشف الدكتور أيمن أبوحديد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي أرقاماً وإحصائيات رهيبة ومحزنة عن حجم التعديات التي وقعت علي الرقعة الزراعية بمصر خلال السنوات الثلاث الماضية والتي تجاوزت المليون و300 ألف فدان من أجود أنواع الأراضي. وهو رقم مخيف وينذر بكارثة إذا استمرت التعديات بهذا الشكل ولم تتحرك أجهزة الدولة لمواجهة هذا الخطر الداهم. * في نفس اللحظة التي أعلن فيها "أبوحديد" هذا الرقم المخيف من التعديات خرج علينا اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية بتصريحات جديدة يؤكد فيها المطالبة أو "النية الحكومية" لإصدار قانون خاص يحد من هذه الظاهرة الخطيرة من خلال تغليظ العقوبة علي المتعدين لتصل إلي السجن 15 عاماً وغرامة نصف مليون جنيه. وبالطبع هذه خطوة مهمة علي طريق مواجهة الكارثة ومنع تفاقمها ولكنها تأخرت كثيراً. فمنذ شهور ونحن نسمع عن هذا القانون المنتظر ولكنه لم ير النور حتي الآن ومازالت التعديات مستمرة وستظل طالما بقيت الحكومة عاجزة عن وضع الحلول والضوابط لوقفها. * طبعاً نحن نعلم ونقدر الجهد الذي تبذله الشرطة وأجهزة الأمن والقوات المسلحة في مواجهة قوي الظلام والإرهاب وكذلك أعمال البلطجة ومختلف أنواع الجرائم. ولكن هذا لا يعني غض الطرف عن هذه الظاهرة الخطيرة التي تستهدف بوار وضياع ملايين الأفدنة من أجود الأراضي الزراعية التي نحتاج كل "سم" منها. * فكما يقولون "الوقاية خير من العلاج" ومن هذا المنطلق يجب علي الحكومة مواجهة هذه الظاهرة بإجراءات سريعة وعاجلة لمنع وقوع المزيد من التعديات وعدم الانتظار حتي ترتفع المباني والعقارات وتغطي ملايين جديدة من الأفدنة ثم تستيقظ وتطالب المخالفين بإزالتها. وحتي إذا استجابوا فأعتقد أنه من الصعب وربما من المستحيل أن تعود الأراضي الزراعية بكامل جودتها قبل غزوها وتشويهها بالغابات الأسمنتية التي ستؤثر حتماً علي جودة التربة. * الغريب. أنه في الوقت الذي نفرط في هذا الكم الهائل من أجود الأراضي الزراعية تخرج علينا الحكومات المتعاقبة بتصريحات وردية حول مشروعات جديدة لغزو الصحراء ونيتها لاستصلاح ملايين من الأفدنة. وهذا بالطبع يحتاج إلي مليارات الجنيهات والأهم يحتاج إلي كميات إضافية من مياه الري وهو أمر صعب وربما يكون مستحيلاً في المستقبل إذا استمرت أزمة بناء "سد النهضة" الأثيوبي التي تهدد ببوار ملايين الأفدنة القائمة وليست المستصلحة. * في النهاية أتمني أن تتحرك الحكومة وتضع حداً وحلولاً عاجلة لمواجهة هذه الظاهرة الكارثية وأن يري "قانون لبيب" النور قبل أن تتضاعف مساحات التعديات وتتفاقم الأزمة ويصعب حلها. وياليتنا نقتدي بأجدادنا "الفراعنة" كما ذكرت من قبل مراراً في هذا المكان بأنهم كانوا يستوطنون الصحاري ويتركون الأراضي الخضراء للزراعة فقط وهذا هو سر تفوقهم وتشييدهم لحضارة كانت ولاتزال تستحوذ إعجاب وانبهار الجميع رغم مرور آلاف السنين.