ألقت وفاة نيلسون مانديلا- وما تبعها من الحزن الشديد والكلمات المؤثرة لفراقه - الضوء علي طرق النجاح التي سلكها مانديلا وغيره من رموز التاريخ المعاصر ليصلوا إلي مكانة الزعماء أمثال المهاتما غاندي وجي جيفارا.. رغم عدم امتلاكهم من أدوات صناعة "الزعيم" سوي حب الناس لهم. يدرك العقلاء أن الزعيم صناعة شعبية ترتكز علي اخلاص النوايا وصدق المعتقدات التي تصل لنبض المواطنين وتمس اوتار احتياجاتهم وتبتعد عن المصالح الشخصية وتحقيق المكاسب الخاصة .. فعندما تتحقق مطالب الشعوب بواسطة شخص ناضل من أجل الوصول لتلك الاهداف يصبح في عيون مواطنية بطلا شعبيا أو زعيما. للاسف في المنطقة العربية نجهل فن صناعة الزعماء ولكننا نتقن بل ونحترف فن صناعة الآلهة والفراعين .. خاصة مع وجود آلة الاعلام الفاسدة التي يستغلها الحكام في تسليط الضوء علي انجازات وهمية ونجاحات ضعيفة في محاولة لكسب ود شعوبهم. أكد برنار لويس الباحث البريطاني في دراسات الشرق الاوسط أن كلمة "زعيم تشير إلي القائد السياسي الكاريزمي الذي يؤثر في الآخرين ويكسب ولاءهم عن طريق إدراكه للانفعال والعواطف الشخصية للجماهير . حيث يضعها في المقام الأول . وبذلك يمكن القول إن الز عامة هي علاقة توحد واندماج بين الزعيم وشعبه. يحاول فيها أفراد الشعب أن ينصهروا في شخص زعيم بصفاته المميزة التي لا تتوافر لأي فرد. لم يكن نيلسون مانديلا الشهير ب "ماديبا" مجرد بطل قصة كفاح حظيت بتأييد الشعوب ونال بها مكانة رفيعة في قلوب ملايين البشر.. حيث فاقت شعبيته كل الحدود فاستحق لقب "الزعيم الافريقي" بجدارة رغم عدم امتلاكه للاعلام الموجه فكانت محبته من صنع الله. الزعامة التي اكتسبها مانديلا من حب الناس له - خاصة الفقراء والمستضعفين - كانت نابعة من صدق ايمانه بمبادئه القائمة علي المصالحة والمساواة والعدالة غير الثأرية وهو ما جعله رمزا في عين خصومه قبل أنصاره. آمن ماديبا ان النضال السلمي بعد الكفاح المسلح أفضل طرق محاربة الاستبداد العنصري .. لذلك تحركت خلفه أعداد كبيرة من مواطني جنوب افريقيا املا في الوصول إلي حياة كريمة وحرة بعيدة عن مظاهر العنف والكراهية. كان سلاح نيلسون الوحيد هو اليقين ان يوما ما ستتحقق احلامه .. ولم يخطط ليصبح زعيما فقد أكد مانديلا دوما ان "قضية واحدة كانت تقلقني بشدة في السجن وهي الصورة الخاطئة التي نظر بها العالم الخارجي إلي وهي "صورة قديس" .لم أكن كذلك يوما . حتي استنادا إلي التعريف الدنيوي للقديس بأنه شخص مذنب يحاول أن يتوب". اتبع مانديلا سياسة سلفه الهندي المهاتما غاندي التي تنتهج المظاهرات السلمية كأساس للعمل الجماهيري .. ولم يكن غريبا ان يكون غاندي اول من زرع بذرة النضال ضد التمميز العنصري لدي تواجده في جنوب افريقيا .. حيث رفض اضطهاد البيض للسود وشكل جبهة مقاومة شعبية بدأ علي أساسها مانديلا رحلة الكفاح. توصل الزعيمان إلي قناعة مشتركة بضرورة توحد الشعوب المضطهدة ضد الظلم مهما اختلفت اعراقهم او دياناتهم او طبقاتهم الاجتماعية . فاستطاعا تغيير مجري التاريخ لصالحهما ولصالح شعبيهما .. الزعيمان كانا مستقلين فكرياً عن أي مفاضلة بين البشر وانتماءاتهم . وحققا غايتهما في الوصول إلي عدالة القانون والمساواة في الحقوق وبالتالي أصبح غاندي رمزاً عالمياً كتب سيرته ووثقها أعداؤه البريطانيون قبل غيرهم . ونفس الشيء مع الزعيم الأفريقي الذي هزم أعداءه بالتسامح.