بقدر ترحيبنا بعودة المهرجان القومي للسينما وبما تمثل عودته من معان. في مثل هذه الظروف الملتبسة التي تمر بها بلادنا إلا ان هذه الفرحة لم تتم أو تكتمل عندما شاهدنا "مهزلة" عرض فيلم من أفلام الستينيات. بعد ان قام المهرجان- مشكورا!!- بترميمه. والترميم في أبسط صوره. هو محاولة إعادة الروح للفيلم بعد ان يكون قد أصابه شيء من التلف أو التآكل أو التحليل ولكن ما رأيناه كان عرضا مهلهلاً سيئاً يفتقد الكثير من الصوت المسموع والصورة الناصعة. وأيضاً لا سينما سكوب كما تقول اعلانات الفيلم. وهو ما دعا المشاهدين للتسلل ومغادرة الصالة حتي لم يبق بها أحد. بالتأكيد فان النوايا الحسنة سواء للأفراد أو المؤسسات اذا لم تقم علي أساس علمي مدروس وسليم فإن النتيجة لن تسر أحداً.. والفيلم- المعروض المرمم- يعيدنا الي جذور المشكلة وهي عدم وجود أرشيف قومي للسينما المصرية.. أرشيف حقيقي لحفظ الأفلام حفظا فنيا يبعد عنها التآكل والتلف والتحلل أو الضياع. ولعل ذلك يرجع إلي عدم تقديرنا لدور "السينما" في التوعية والتثقيف ونشر الفكر واعتبارها نوعاً من اللهو. وان رغيف الخبز أهم من الصرف علي الفنون وخاصة السينما. وهي وجهة نظر قاصرة لا تدرك ان السينما هي ذاكرة الأمة بما تحمله من "توثيق" للحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية. وما تضيفه للمشاهد من تنوير عن حقيقة الحياة. ولا يقتصر عدم اهتمامنا بتاريخنا وتراثنا السينمائي فقط علي السينما. وانما يتعداه الي كافة النواحي الفكرية والثقافية كالموسيقي والفن التشكيلي والفنون الشعبية وحتي الكلمة المطبوعة كالجريدة والكتاب.. فدار الكتب المصرية انفقت الملايين- حقيقة وليس مجازا- علي ما اسمته "تجديد" قاعة الأطلاع علي الدوريات بها ولكنها تبخل علي الأساس الذي قامت من أجله. وهو الحفاظ علي المطبوعات التي تصدر في مصر. وللأسف فإن أغلب مطبوعات العشرينيات وما قبلها وما بعدها- تقريبا الي يومنا هذا- أغلبها اصابه التلف والتمزيق وفقد الصفحات. بحيث أصبحت في حالة يرثي لها. لا يمكن السماح بالاطلاع عليها. أو تصوير موضوع منها. بل ان هناك مجلات وجرائد لسنوات بالكامل لن تستطيع العثور عليها بحجة عدم وجودها أو عدم صلاحيتها للخروج لطالب الاطلاع. هكذا حال تراثنا الفكري والابداعي ممثلا في السينما وفي المطبوعة الورقية ممثلة في الجريدة والمجلة والكتاب! وهو ما يقف حجرة عثر أمام الجيل الجديد من الباحثين. فمن أين يستقي هؤلاء الشباب تاريخ بلادهم! ومعرفة تطور الحياة فيها. ولعلي أذكر هنا ان كاتبنا الكبير علي شلش- رحمه الله- ذكر لي أنه أثناء بحثه عن المجلات التي صدرت في مصر لاستكمال رسالته للدكتوراه لم يجد أغلبها في دار الكتب أو الجامعات. ووجدها كاملة في مكتبة لندن مرتبة ومعني بها. كأنها صدرت بالأمس فقط! أليس هذا من الأمور الغريبة والعجيبة ان يحافظ الغير علي تراثنا الفكري. ونحن لا نحافظ عليه أو نهتم به. وكل ما نهتم به هو المظاهر الشكلية التي لا قيمة لها. لقد طالبنا- ومازلنا- بضرورة الاهتمام بتراثنا الفكري في كافة مجالات الفنون. وان نبدأ من الآن. خاصة بعد التطور المذهل في تكنولوجيا المعلومات والحفظ.. لذا يجب تفعيل قانون إنشاء "السينماتيك" بمختلف فروعه بحيث يكون وعاء لذاكرة الأمة وحافظا لتراثها المرئي واتاحته لكل مواطن. سواء الدارس. أو المشاهد المتذوق المحب للسينما وهو ما ينطبق أيضاً بالنسبة لقانون ايداع المطبوعات بدار الكتب وهو أيضا غير مفعل لان الدار للأسف لا تقوم بمتابعة الجهات التي حصلت علي أرقام ايداع وهل قامت بايداع النسخ المطلوبة أم لا. ان أمة بلا تاريخ.. هي أمة فاقدة الهوية. فاقدة للمستقبل. وتاريخ الأمة وذاكرتها الحقيقية هي في الكلمة سواء كانت في مطبوعة أو مسجلة علي هيئة صورة في شريط سينمائي.