دائماً وفي أوقات الثورات تسود لغة خاصة وأدب خاص.. يسمونه بالخطاب الثوري أو الأدب الثوري.. تأمل الحال في مصر ومن حولك ستجد العجب العجاب.. حالة غريبة وعجيبة ومهينة من التدني الخلقي والأخلاقي في العديد من المستويات حتي بين من يسمون أنفسهم بالمثقفين أو المتعلمين أو المدافعين عن الحقوق والحريات وما إلي ذلك. وكأننا في عصر الانحطاط والانقسام والانفصام.. لا سقف ولا حدود لأي شيء في التعدي والعدوان.. في البذاءة وقلة الأدب.. في التطاول علي الحريات العامة والشخصية.. في النيل والتجريح من عامة الناس فضلاً عن خاصتهم. نحن في وقت غابت أو ضاعت فيه الحكمة وذاب الحكماء أو حتي أشباه الحكماء.. وكأن الله قد سلط علينا أهل البذاءة والخسة والندالة.. فانطلقت الألسنة مشرعة في كل الاتجاهات.. لا تجيد إلا السب والقذف.. وتتفنن في الحاق الأذي المادي والمعنوي بالبشر.. بسبب وبدون سبب.. بلا رادع من ضمير أو وازع من دين أو خلق.. أو حتي أي نوع من الخجل والحياء أو المواءمة السياسية. لا أعرف سر حملة البذاءة المسعورة علي الفضائيات وبرامج التجريح والتشويه وحالة الافراط والتفريط الرهيبة وسيول الاتهامات بالتخوين والعمالة وغير ذلك من مصطلحات مهينة.. وهل هي وصلة مبرمجة في حملات إعلام الكراهية وإغراق الناس في الكراهية واخواتها.. أم هي سياسة الأرض المحروقة أخلاقياً في المواجهة.. المزعج في الأمر أن القضية لم تتوقف في حدودها عند السفهاء من الناس.. بل امتدت لغة الخطاب اللعينة إلي مستوي العلماء.. وللأسف فانهم يستخدمون اللغة نفسها ويقفون عند حافة اللغة الساقطة والدنيئة لفظاً وتعبيراً.. لغة لا يجب ولا يصح أن تأتي علي ألسنة العلماء وخاصة علماء الدين.. انها والله لهي الفتنة بعينها تطل وتسيطر علي الجميع.. ويبدو أنها لن تترك شيئاً إلا وستأتي عليه.. الجميع مشغولون الآن بالبحث في الملفات والتسجيلات والفيديوهات القديمة.. وحرب الكليبات.. علي ساحة الفيس بوك واليوتيوب.. البحث عن تسجيلك القديم.. والكل يرفع شعار فيديوهاتك عندنا.. عمليات حقيرة ودنيئة ليس لها من هدف إلا الفتنة والإثارة.. الأهداف العلمية والأخلاقية مستبعدة تماماً.. السنا في عصر الفتنة.. ولابد من حرق كل شيء بلا أي تردد أو وخزة من ضمير. لا أدري كيف يسوغ هؤلاء لأنفسهم أن ينشغلوا ويشغلوا الناس من حولهم بتوافه الأمور.. إلا إذا كان الأمر مقصوداً.. بينما الدنيا مقلوبة رأساً علي عقب من حولنا وعلي رؤوسنا.. القضايا معقدة ومربكة والمواقف مرتبكة ومحيرة سواء علي الصعيد الداخلي أو الخارجي.. وبالمناسبة الخارجي الآن لا يقل أهمية عن الداخلي حتي وإن كنا غرقي ونبحث حتي عن مجرد قشة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. في رأيي أن قضية اجتماع قادة جيوش عشر دول أجنبية في الأردن وهو اجتماع حرب لضرب سوريا.. لا يقل أهمية وخطورة عن تصريحات نقيب البقالين التموينيين وليد الشيخ بأن نسبة العجز في مقررات الزيت التمويني لشهر أغسطس الحالي بلغت 65% علي مستوي محافظات مصر.. فيما بلغت نسبة العجز في الأرز التمويني نحو 35%. فإذا حدثت الحرب ونحن علي هذه الحالة فستكون نسبة العجز فوق 100%.. وسيطل الخراب علي المنطقة بأكملها.. التعديلات الدستورية يجري الإعداد لها وتجهيزها في صمت.. والناس مشغولون بمعارك التمثيل والتشكيل والقائمة ومن شارك في الدستور المعطل أو المعدل.. وإعلان لجنة الخمسين معطل ومؤجل لمثل هذه الأسباب الشكلية.. وننسي الأهم وهو القضايا الحيوية لمستقبل الوطن.. وكيفية إيجاد صيغة وصياغة حقيقية تعبر عما نرجوه ونأمله في دستور المستقبل. الآن تري البعض يهلك نفسه في نقاشات وصراعات لا تسمن ولا تغني من جوع عن مشاركة الإسلاميين ويتوقف أمام مواد ومقترحات ويصادر آراء ويتشدد أمام بعض نصوص وصياغات يراها رجعية أوراديكالية أو لا تتفق والقيم العلمانية أو الليبرالية.. وهؤلاء ممن يمكن أن نسميهم بأصحاب الحساسية ضد كل ما هو إسلامي.. بسبب وبدون سبب. ولهؤلاء وأمثالهم أسوق إليهم هذه الواقعة علي سبيل المثال فقط من إيطاليا.. فقد دعت لورا بولدريني رئيس مجلس النواب الإيطالي إلي إصدار تشريع يحظر المتاجرة بجسد المرأة في الإعلانات التجارية والذي يعد أحد أهم أسباب العنف ضد المرأة حتي الاغتصاب.. بولدريني قالت في تصريحات لها إن إظهار جسد المرأة عارية دائماً يطلق رسالة بأن المرأة "سلعة" يمكن اللعب بها. وقالت أيضاً إن وضع المرأة متراجع في إيطاليا. كما أن نسبة المرأة العاملة لا يتعدي نسبة 47% من القوي العاملة وهو الإحصاء الأقل بين نظيره لعمل المرأة بين دول الاتحاد الأوروبي وأوضحت أن المرأة غير العاملة إذا تعرضت للعنف فهي مهيضة الجناح ولا يمكنها الاستقلال بوضعها الاقتصادي وهو أمر غير مقبول. مشيرة إلي أن المتاجرة بجسد المرأة في الإعلانات من معجون الأسنان إلي الزبادي يقلل من قيمة المرأة ويجعلها مادة للعنف والاغتصاب. تري لو تقدم أحد في لجنة الخمسين بمثل هذا الاقتراح ليضمنه التعديل الدستوري.. تري هل سينجو من الهجوم.. وهل يضمن إلا يلاحقه أحد ويقول له فيديوهاتك عندنا؟!!!