عدما دُفعت الثورة السورية نحو العسكرة تصاعد العنف تجاه النساء السوريات، ولم تكن المرأة قبل هذه الفترة بعيدة عن المشاركة في الحراك السلمي، خصوصاً في دمشق ومدن أخرى، ما عرض الثائرات، حين كان الاحتجاج مدنياً الى الاعتقال من أجهزة النظام السوري، وهناك اليوم العديد من الناشطات وغير الناشطات في أقبية السجون. ثمة قضية خطرة يسكت عنها الكثيرون ونقصد اغتصاب النساء السوريات، وتعرض بعض اللاجئات في دول الجوار الى شتى أنواع العنف الجنسي، المباشر وغير المباشر. خطورة هذه القضية التي لا توليها الوسائل الإعلامية الاهتمام الكافي، رغم احتلالها حيزاً مهماً لدى الجمعيات الأهلية التي تعنى بشؤون المرأة، تكمن في أن أجساد النساء السوريات تحولت الى أداة سياسية يستخدمها الجميع. يعتبر الاغتصاب في الحالات العادية من «التابوهات» داخل المجتمعات العربية، وخلال النزعات الأهلية ترتفع نسبة النساء المغتصبات بسبب الأوضاع الأمنية السيئة، هنا كل شيء ممنوع يصبح مباحاً، الفوضى، القتل والتشويه. نساء سوريات كثيرات ظلمن مرتين، الأولى حين تعرضن للاغتصاب من مجموعات تابعة للنظام السوري كما أكدت التقارير الصادرة عن مؤسسات حقوقية عدة، والثانية التعتيم على هذه الظاهرة من الوسائل الإعلامية وحتى أطياف المعارضة السورية. جرائم الاغتصاب في سورية لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف من العار، فماذا ينتظر المعنيون بالملف السوري وقضايا حقوق الانسان، هل سيتحركون عندما تصل حالات الاغتصاب الى معدل 40 امرأة في اليوم كما حدث في حرب جمهورية الكونغو الديموقراطية (1998-2003) والتي وقع ضحيتها نحو300000، امرأة وطفلة. البغاء القسري والاغتصاب تعرض بعض النساء السوريات الى العنف الجنسي لا يقتصر على النسوة الموجودات في الداخل، فثمة تقارير كثيرة تحدثت عن لاجئات وقعن على خط النار، كان آخرها ما نشرته صحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية أواخر شهر يناير، حيث أشارت الى أن «نساء وفتيات سوريات لا تتجاوز أعمارهن 14 سنة يُعرضن للبيع للزواج القسري أو البغاء بعد أن يصبحن لاجئات، وفقاً لعمال اغاثة وجمعيات خيرية دينية». وأكد التقرير الذي لم يلق الاهتمام الكافي، «أن المئات من اللاجئات السوريات في الأردن تأثرّن بهذه التجارة غير الرسمية التي ظهرت منذ بداية الحرب في سورية، حيث يقوم الرجال الطامعون بهن باستخدام عملاء كمدخل لاستخدامهن لأغراض الجنس مقابل المال». وأضافت الصحيفة أن «هذه الممارسات تتم غالباً تحت ستار الزواج الموقت، الذي يستمر بضعة أيام أو حتى ساعات فقط، مقابل دفع مهور للاجئات». الى ذلك كشفت دراسة أصدرتها «مؤسسة الإنقاذ الدولية»، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولاياتالمتحدة، عنوانها «سورية أزمة إقليمية» عن أن «الاغتصاب يستخدم على نطاق واسع كسلاح حرب في الصراع السوري، لدرجة أن الكثير من عائلات اللاجئين يذكرونه كسبب رئيسي للفرار». وقالت الدراسة التي أخذت عينات من نحو 600 ألف سوري فروا من البلاد منذ بداية الحرب، إن الأمر يشكل «كارثة إنسانية مشينة». وأكدت أن «النساء في سورية كن في خطر استثنائي عبر سوقهن بعيداً واغتصابهن، وأحياناً كان الاغتصاب جماعياً من جماعات مسلحة عند نقاط التفتيش. ورغم أن هذه الدراسة لم تحدد الطرف المسؤول عن ذلك، لكن أكبر شبكة لنقاط التفتيش موجودة في مناطق النظام، وأخطر الادعاءات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان قُدمت ضد قوات النظام، كما أفادت أن «كثيراً من النساء والفتيات قصصن روايات عن مهاجمتهن علناً أو في بيوتهن من قبل رجال مسلحين... وحالات الاغتصاب هذه كانت أحياناً بواسطة جناة متعددين، وغالباً ما كانت تحدث أمام أفراد العائلة»، لافتة الى ان «اللجنة أُبلغت بهجمات خطفت فيها النسوة والفتيات واغتصبن وعذبن ثم قُتلن. وقد أُبلغ فريق حماية النساء بلجنة الإنقاد الدولية في لبنان عن فتاة صغيرة اغتصبت جماعياً وأُجبرت على العودة إلى بيتها عارية وهي مترنحة». ووصفت الدراسة الاغتصاب بأنه «سمة ملحوظة ومقلقة للحرب الأهلية السورية». وقالت إنه بالاعتماد على تقييمات في لبنان والأردن، حدد اللاجئون السوريون الاغتصاب سبباً أساسياً لهروب عائلاتهم من سورية. كما اشارت الى أن الكثير من النساء والفتيات يواجهن ظروفاً غير آمنة في مخيمات اللاجئين ومستويات مرتفعة من العنف المنزلي، مشددة على أن النساء اللاتي يهربن نتيجة للاعتداء يواجهن نقصاً في الخدمات الطبية والمشورة إضافة إلى «ظروف غير آمنة في مخيمات اللاجئين». وتحت عنوان «النساء والفتيات السوريات تهربن من الموت وتواجهن المخاطر والذل مسح سريع حول العنف المبني على النوع الاجتماعي»، قامت لجنة الانقاذ الدولية بالتعاون مع مؤسسة «أبعاد» (لبنان) بإجراء مسح سريع لمشاكل الحماية التي واجهتها النساء والفتيات قبل مغادرتهن لسورية وعند وصولهن الى لبنان. وخلصت الى أن «أنواع وحجم العنف المبني على النوع الإجتماعي الذي تختبره النساء والفتيات في سورية كالعنف والإذلال وسوء المعاملة المستمر منذ وصولهن الى لبنان/ النقص في نوعية الخدمات، هي أمور تدق ناقوس الخطر ويجب معالجتها في شكل فوري. ومن أجل القيام بذلك تحتاج النساء والفتيات اللاجئات السوريات ومن ضمنهن الناجيات من العنف المبني على النوع الاجتماعي للوصول الى الخدمات الصحية والنوعية والى خدمات الدعم المعنوي. وأكدت التوصيات ضرورة تأمين المساعدة التقنية لمقدمي الخدمات الصحية المحليين، من أجل تعزيز الوصول الى الخدمات الصحية النوعية للنساء والفتيات الناجيات من الاغتصاب». وأفادت الدراسة أن المعلومات المستقاة من المسح السريع تفيد تعرض كثيرات من النساء والفتيات الى عنف جنسي خلال النزاع، وأنه من الوارد جداً أن عدداً كبيراً من النساء والفتيات اللواتي تعشن في لبنان قد عايشن أشكالاً متعددة من العنف، بما فيها الاغتصاب. الإنتقام من الثورة ب... الاغتصاب الى ذلك وثق تقرير أعدته «اللجنة السورية لحقوق الإنسان» (13 اغسطس) اعتماد النظام السوري سياسة اختطاف واغتصاب النساء لمعاقبة المنخرطين في الثورة السورية وعائلاتهم، مشيراً إلى أن «عدد حالات الخطف والاغتصاب التي تم توثيقها (حتى تاريخ صدور التقرير) لا يقل عن 1500 حالة، هذا إلى جانب الأساليب السادية والوحشية التي تتعرض لها المعتقلات والمختطفات». التقرير الذي جاء عنوانه «جرائم خطف النساء واغتصابهن والاعتداء عليهن في سورية» يغطي الفترة الممتدة بين شهر مارس 2011 وشهر يوليو 2012 وقد لفت الى أن «النظام الحاكم عمد على اتباع سياسة العقوبة الجماعية في عمليات الخطف والاغتصاب لنساء المدن والقرى والحارات الثائرة وجند لذلك الكثير من الشبيحة»، لكن كما يلحظ التقرير إشتراك نساء في جرائم الخطف والتهيئة للاغتصاب وهنّ يعملن على استدراج الضحايا مقابل مبالغ مالية. وسجل التقرير شهادات مروعة لنساء تعرضن للخطف والاغتصاب من قبل من يصفهم ب «عصابات النظام السوري». ووصفت إحداهن كيف تم احتجازها، بعد اختطافها، مع مجموعة أخرى من النساء في أحد الأقبية، حيث تعرضت للتعذيب والاغتصاب في شكل متكرر لمدة أسبوع كامل قبل إلقائها في أحد الشوارع النائية. وأقر التقرير بحصول عمليات خطف قام بها معارضون للنظام، لكنها حصلت في شكل محدود جداً؛ لتحرير مختطفات لدى الأمن أو الشبيحة، أو لكبح جماح بعض اللواتي يقمن بعمليات الخطف ويساعدن عليه، أو لنساء عرفن بإيقاعهن الأذى بزميلاتهن ويتسببن بخطفهن أو اعتقالهن. كما سجلت حالات قليلة لخطف نساء علويات في حمص من بعض أهالي المختطفات اللواتي اختُطفن على يد الشبيحة والأجهزة الأمنية. لكن لم تسجل أي حالة اغتصاب للمختطفات المواليات للنظام، وأقرت المختطفات بحسن المعاملة. وجرى مبادلتهن مع مختطفات لدى الأمن والشبيحة، رغم قيامهن بالتشبيح وخطف نساء من الحارات المعارضة. وأكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في15 يونيو 2012 أن القوات الحكومية في سورية استخدمت الاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ضد الرجال والنساء والأطفال خلال الانتفاضة السورية. وذكرت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، ومقرها الولاياتالمتحدة، أنها سجلت 20 واقعة خلال مقابلات داخل سورية وخارجها مع 8 ضحايا، بينهم 4 نساء، وأكثر من 25 شخصاً آخرين على علم بالانتهاكات الجنسية، من بينهم عاملون في المجال الطبي ومحتجزون سابقون ومنشقون عن الجيش ونشطاء في مجال الدفاع عن حقوق المرأة. وخلصت المنظمة الى أن «العنف الجنسي أثناء الاحتجاز هو أحد الأسلحة المروعة العديدة في ترسانة التعذيب الخاصة بالحكومة السورية، وتستخدمها قوات الأمن السورية بانتظام لإهانة وإذلال المحتجزين دون أي عقاب». وأضافت أن الاعتداءات لا تقتصر على مراكز الاحتجاز، فالقوات الحكومية والشبيحة الموالون للحكومة اعتدوا جنسياً أيضاً على نساء وفتيات خلال مداهمة منازل واجتياح مناطق سكنية. وخلال مقابلة أجرتها المنظمة مع امرأة من حي كرم الزيتون في مدينة حمص قالت إنها «سمعت قوات الأمن والشبيحة وهم يغتصبون جاراتها، بينما كانت تختبئ في شقتها في شهر مارس من العام الماضي»، كما «سمعت إحدى الفتيات وهي تقاوم أحد الرجال، دفعته بعيداً فأطلق الرصاص على رأسها». وأكدت المنظمة أن «ضحايا الاعتداءات الجنسية في سورية لا يتاح لهم الحصول على علاج طبي أو نفسي أو خدمات أخرى». القتل معكوساً وفي أواخر شهر يناير 2013 وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 17 امرأة بسبب التعذيب داخل السجون، حيث يصل عدد المعتقلات الى ما يزيد عن6400 معتقلة أو مختفية قسرياً في المحافظات السورية كافة، وتحدثت الشبكة عن آلاف من حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي. ونوهت الشبكة إلى أنها لم تتمكن من توثيق «عشرات بل مئات» من حالات الاختفاء القسري الذي تتعرض له النساء السوريات من النظام وشبيحته «بسبب امتناع كثير من الأهالي عن التعاون في هذا الموضوع بل إنكار العشرات منهم لاعتقال ابنتهم خوفاً من أن يسيء ذلك إلى سمعتها، من قبيل تعرضها للاغتصاب أو التحرش أو الصعق في مناطق حساسة أو التعري، مما يعد وصمة عار». ورصدت الشبكة 6 حالات قُتلت فيها الفتاة المغتصَبة، من قبل الأب أو الأخ «للتخلص من العار»، وفي حالتين أخريين «قتل الوالد نفسه بعد قتل بناته وفي حالات متعددة هربت الفتاة من منزل الأسرة لمدينة أخرى أو خارج البلاد لتواجه مصيراً مجهولا». يبدو أنه من المستحيل إحصاء الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها النساء في سورية منذ بداية الانتفاضة يوم 15 مارس 2011، ورغم ذلك حاولت المنظمة الأميركية «نساء تحت الحصار» بقيادة غلوريا ستاينم توثيق العنف الجنسي في موقعها على الإنترنت، ووضعت خارطة تفصيلية للاعتداءات الجنسية في سورية، ودعمت ذلك بشهادات وتقارير أنجزها موفدون تمكنوا من الوصول إلى المناطق التي تمت فيها الاعتداءات. وفي هذا السياق، أكدت مديرة منطقة الشرق الأوسط في المنظمة، سارة ليا واتسون، أن «العنف الجنسي أثناء الاعتقال هو أحد الأسلحة الرهيبة في ترسانة التعذيب الخاصة بالحكومة السورية. وتستخدمها قوات الأمن السورية بانتظام لإهانة المحتجزين وإذلالهم مع الإفلات التام من العقاب»، مضيفة أن «الاعتداءات لا تقتصر على مراكز الاحتجاز، فالقوات الحكومية والشبيحة الموالون للحكومة اعتدوا جنسياً أيضاً على نساء وفتيات خلال مداهمة منازل واجتياح مناطق سكنية». وأشارت المنظمة في التقرير أنّ الجنود والميليشيات المسلحة الموالية للحكومة والمعروفة محلياً بالشبيحة اعتدت جنسياً على نساء وفتيات لا تتجاوز أعمارهن 12 سنة خلال مداهمات الجيش للمناطق السكنية». شهادات من الداخل تروي إحدى اللاجئات في مدينة الرمثا الأردنية المتاخمة للحدود مع سورية وتدعى أمل (كما ورد في تحقيق نشرته صحيفة «الحياة») الكارثة التي عاشتها بعد اغتصاب بناتها قبل أن يقتلن «أخرج الأمن والشبيحة عائلات بأكملها من داخل منازلهم المدمرة، وبدأوا يعرّون صغيراتي بالقوة قبل أن يغتصبوهن ويقتلوهن لاحقاً... كانوا يقولون مستهزئين: بدكم حرية؟ هاي أحلى حرية». وتضيف أمل «العويل والبكاء الذي كان يملأ المكان، واستجداء الصغار والنساء، جميعها محاولات لم تقو على استدرار عطف المجرمين... لم أتمالك نفسي حينما شاهدتهم ينحرون رقابهن بالسكاكين... سقطت على الأرض مغشياً علي». بنات أمل عائشة ودعاء ورقية «ذهبن بدم بارد وفق شهادة الأم لانخراط الأب في صفوف الثوار»، مؤكدة أن «آلاف السوريات اللواتي دخلن السجون في سورية لم يسلمن من الاغتصاب والمعاملة المهينة». لاجئة سورية أخرى في مخيم الأردن رفضت الكشف عن إسمها تحدثت عن المأساة التي حلت بإبنتها «الشبيحة اغتصبوا ابنتها العشرينية تسنيم خمس عشرة مرة، قبل أن يقدموا على قتلها خنقاً». قصص الاغتصاب التي تتوالى لا تتوقف عند هاتين الشهادتين، ها هي بسمة الصبية الهاربة من درعا الى الاردن تسجل قصة اغتصاب أخرى وتقول «في الخامس من شهر (ابريل) 2011، كان رتل من الدبابات يحوم داخل القرية التي نقطنها، كانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات. عشرات المدنيين سقطوا على الأرض مضرجين بدمائهم... وبدأوا يصعدون حملتهم الوحشية في قرى غير معروفة وبعيدة عن المدن الرئيسة، فتغلق المدارس والمتاجر، وتواصل القصف، وتغتصب النساء والأطفال». لماذا تُغتصب النساء السوريات؟ في دراسة تحت عنوان «الاغتصاب كوسيلة للخضوع وإذلال الجسد الاجتماعي في الثورة السورية الأبعاد وأساليب المواجهة» تحاول الكاتبة السورية خولة الحديد الإجابة عن هذا السؤال، وتحدد الأشكال التي تتخذها جريمة الاغتصاب وربطها بالظرف السوري الاستثنائي، وتذكر منها حالات معينة، ومنها: ? الاغتصاب الغضبي: وفي هذا النوع من الاغتصاب، يكون الجنس وسيلة للتعبير وللتخلص من مشاعر الغضب والثورة والانتقام والثأر. ويتميز هذا النوع بما يأتي: أ يتميز بالقوة الجسدية، حيث تكون قوة الجاني تزيد على قوة الضحية بدرجة ملحوظة. ب يعتبر الجنس في هذه الحالة وسيلة يهين بها الجاني ضحيته، بالحط من شأنها واحتقارها. ج إن هذا النوع يكون غير مخطط له واندفاعياً ومتهوراً، حيث يكون الجاني في حالة من الغضب ويعاني من الإحباط. د يستخدم الجاني لغة بذيئة مع ضحيته، وعبارات فاحشة. ه إنّ الاعتداء في هذا النوع لا يستغرق إلا وقتاً قصيراً نسبياً، وأحياناً يتم خلال دقائق قليلة، ولكن مع ذلك يتخلص المغتصب من الغضب المكبوت بداخله، وتفريغ حقده وغضبه. ? الاغتصاب بالقوة: تعتبر القوة عاملاً بارزاً يدفع المجرم إلى ارتكاب الجريمة، ولكن قصده لا يتجه إلى إيذاء الضحية بل إلى إخضاعها جنسياً، ويتميز هذا النوع بما يأتي: أ - الاغتصاب من أكثر الجرائم بشاعة لأنها تعتدي على المجتمع، وتنال من إنسانية أفراده وتجرح كرامته. ب - ما تحدثه في نفس الفرد من قسوة وعنف وعدائية تجاه الآخرين، فهي تعبير عن الكره والبغض، وعن ترجيح كفة القوة الغاشمة على كفة العقل والعواطف النبيلة. ج - الآثار الاجتماعية: إن الكثير من الحالات الاغتصاب تكون فيها الضحية معرضة للفقر والضياع، لأنّ بعض من العائلات، خاصة في بعض البيئات المحكومة بعادات وتقاليد ترفض قبول من تعرضت للاغتصاب فيها ما يفاقم من مشكلة المغتصبة، وفي ظل تخلي المجتمع عن الضحية يؤدي إلى انحرافها فيما بعد. وتتابع الحديد بعد إجراء هذا التصنيف وتقول «لو أسقطنا كل ما سبق على الحالة السورية، لوجدنا أن كل حالات الاغتصاب التي حدثت تندرج تحت هذين النوعين من الاغتصاب، إذ اتخذ جنود النظام السوري وعصابات المرتزقة التي تعمل معه التي تسمى «الشبيحة» من اغتصاب النساء في بعض الأمكنة التي دخلها الجيش والشبيحة، وسيلة لإهانة أهالي المناطق الثائرة، والمس بكراماتهم، وتعريضهم إلى المزيد من الانتهاكات اللإنسانية من خلال طعنهم بشرفهم الاجتماعي، وإثبات عجزهم عن المواجهة وحماية أعراضهم، وبالتالي مزيد من الإذلال والخضوع. وكثيرة هي الحالات التي سُجلت ويشهد فيها المعتقلون سابقاً كيف هددوا باغتصاب نسائهم من أجل الضغط عليهم للحصول على المعلومات، أو للإقرار بمعلومات غير حقيقية. كما اتخذ من هذه الجريمة وسيلة لتخويف الناس ودفعهم لترك مناطقهم، وهذا ما يفسر عمليات النزوح الجماعي التي حدثت فجأة في كثير من المناطق، علماً أنها بقيت صامدة تحت القصف والدمار لأشهر طويلة ولم يفكر أهلها بالنزوح إلا بعد انتشار أخبار جرائم الاغتصاب وحدوثها في مناطق أخرى، فأثر كثيرون النزوح خارج مناطقهم وحتى خارج سورية حفاظاً على أعراضهم وشرفهم، وهذا ما يؤكد بوضوح أهمية هذه المسألة وأبعادها الاجتماعية بين السوريين في مختلف بيئاتهم ريفاً ومدينة، كما يؤكد بوضوح على إمعان النظام السوري في النيل من كرامة السوريين واهانتهم، في سبيل إخضاعهم وعودتهم إلى بيت الطاعة». ثمة نقطة مهمة تحدثت عنها الحديد في مقالتها، حيث أشارت الى تواتر «أخبار من أكثر من منطقة في سورية عن محاولات الأهل التخلص من بناتهن المغتصبات بقتلهن غسلاً للعار الذي ألحق بهم، كما أشير إلى عدد من حالات الانتحار بين المغتصبات نتيجة ما تعرضن له من ضغوط اجتماعية كبيرة». يقول عالم النفس اللبناني الراحل عدنان حب الله أن جسد المرأة «يعادل مفهوم الشرف فأي انتهاك للرحم، يشكل تعدّياً على حرمة الجماعة، ويتلطخ اسمها بالعار لأن هذا المكان من الجسد يخضع لشرعية ولطقوس ولعقد ديني وإجتماعي يخول الدخول إليه. فهو مصدر الحياة ولكن بشرط واحد أن يحمل اسم الأب». شرباتي ل «الراي»: اغتصاب النساء في الحروب انتقام من شرف المرأة الممتد الى شرف الجماعة رأت المحللة النفسية وأستاذة علم النفس في جامعة القديس يوسف (بيروت) منى شرباتي أن «الاغتصاب الذي تتعرض له النساء خلال النزاعات وحتى خلال مرحلة السلم يعود الى أسباب اجتماعية على اعتبار أن المرأة ملك الرجل»، مشيرة الى أن «بعض الرجال غير الناضجين عاطفياً يعتقدون أن تحقيق ذكوريتهم تكون بالسيطرة على أجساد النساء». وأكدت شرباتي ل «الراي» أن «اغتصاب النساء خلال الحروب ليس ظاهرة جديدة وهو يمثل نوعاً من فرض القوة والانتقام من شرف المرأة الذي يمتد الى شرف الجماعة»، مضيفة أن «اللجوء الى العنف الجنسي من المغتصب يهدف الى إهانة المجتمع والسيطرة على العدو من خلال اغتصاب النساء وأحياناً قد يتخذ شكل المكافأة للمحارب عبر حصوله على النساء». ورداً على سؤال عن الأسباب التي تدفع المغتصب الى تشويه جسد الضحية، لفتت شرباتي الى أن «الخيال الجنسي قد يتفاقم خلال الحروب وهذا الخيال يُعبر عن حالات مرضية تنتشر في زمن الفوضى والحرب، ما يسمح للخيال بتحقيق الصور التي يتخيلها بينما في الحياة العادية لا يمكن تحقيقها بسبب الروادع القانونية». وقالت شرباتي إن «عملية اغتصاب النساء تهدف الى ترهيب العدو من خلال المرأة وبسبب الضغط الذي يتعرض له المحارب تتطور عنده نزعة الحياة في اتجاه الانتقام والثأر والعنف وتحقيق الغريزة الجنسية». وأضافت أن «تصاعد العنف خلال الحرب يؤدي الى صراع بين نزعات الحياة والموت وهنا تسقط القيم والضمير الأخلاقي والأنا الأعلى والقوانين الاجتماعية»، مؤكدة أن «فعل اغتصاب المرأة هدفه إذلال الرجل الأب أو الأخ أو الزوج». وفي قراءتها للأسباب التي تدفع الأب أو الزوج الى قتل ابنته أو زوجته بعد تعرضها للاغتصاب، قالت شرباتي ان «هذا التصرف الذي يندرج تحت مسمى غسل العار يعكس التخلف الاجتماعي والميول البدائية»، مشددة على «مخاطر الرواسب النفسية التي يسببها الاغتصاب بالنسبة الى المرأة فهو في الدرجة الأولى يؤدي الى طعن الأنوثة وهذه المسألة ترتبط بالسن وإذا كان سن الفتاة المغتصبة يتخطى سن الرشد تشعر كأنها قُتلت. أما من كن تحت سن الرشد يتم نزع حياتهن العاطفية والجنسية الى الأبد وفي هذه الحالة لا بد أن يجدن من يعوضهن على المستوى العاطفي».