يحتاج دستور 2012 إلي مراجعة شاملة من الألف إلي الياء حتي يتبين ان كان صالحا للتعديل فنحوله من دستور "معطل" كما هو الآن إلي دستور "معدل" أم ينبغي أن نصرف النظر عنه ونتجه لكتابة دستور جديد. السطر الأول من ديباجة الدستور يقول: "هذا هو دستورنا.. وثيقة ثورة الخامس والعشرين من يناير". ولابد من اضافة ثورة 30 يونيو إلي هذا النص باعتبارها مصدر أي تعديل في هذا الدستور أو أي دستور جديد. والباب الخامس والأخير من أبواب الدستور وهو باب "الأحكام الختامية والانتقالية" يحتاج إلي شطب نصف مواد أحكامه الانتقالية من أول مادة الابقاء علي رئيس الجمهورية "السابق" حتي نهاية فترته الرئاسية وهي 4 سنوات إلي نقل سلطة التشريع إلي مجلس الشوري الذي تم حله إلي تحصين كل الآثار التي ترتبت علي الاعلانات الدستورية الصادرة في المرحلة السابقة علي هذا الدستور. وما بين البداية التي تمثلها الديباجة والنهاية التي تمثلها الأحكام الختامية والانتقالية هناك الكثير والكثير من العيوب التي يمكن أن تكشف عنها المراجعة الشاملة للدستور قبل تقرير مصيره. وقد أفاض العشرات من فقهاء الدستور وخبراء القانون في إظهار هذه العيوب خلال الفترة الماضية وهناك وثائق بتعديلات مقترحة من جانب أحزاب وقوي سياسية وفي مواجهتها مطالب أحزاب وقوي أخري بكتابة دستور جديد وليس مجرد ترميم أو ترقيع الدستور المذكور حتي لا يزداد تشوها. *** دستور 2012 يتكون من 236 مادة وهناك من يري ان هذا كثير وقد كان دستور 1971 مكونا من 211 مادة وللفقيه الدستوري الدكتور ابراهيم درويش رأي يعلنه في كل مناسبة وهو ان دستور مصر لا يجب أن يزيد علي مائة مادة فقط ولا أدري لماذا غاب اسمه في تشكيل لجنة الخبراء العشرة لتعديل الدستور التي بدأت عملها هذا الاسبوع أم انه سيظهر بعد ذلك في لجنة الخمسين التي ستتولي المرحلة النهائية من كتابة الدستور. ويفتقد الدستور "التوازن" في أبوابه وفصوله وفي توزيع المواد بينها. فالباب الثالث مثلا وهو باب "السلطات العامة" يتألف من خمسة فصول لكنه يعاني "الانبعاج" إذ تتكدس فيه 118 مادة أي نصف عدد مواد الدستور كله. بينما الباب الرابع الذي يليه مباشرة وهو باب الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية والذي يتألف أيضا من خمسة فصول. يعاني "الضمور" إذ لا يزيد عدد مواده علي 17 مادة. ويظهر انعدام التوازن في بقية الأبواب.. فالباب الأول مقومات الدولة والمجتمع 3 فصول تضم 30 مادة بينما الباب الخامس والأخير الأحكام الختامية والانتقالية 3 فصول أيضا تضم 20 مادة.. أما الباب الثاني الحقوق والحريات 4 فصول فيه 51 مادة. أعرف انه من العسف معاملة الدستور بنفس قواعد معاملة البحوث الأكاديمية التي يتقدم بها طلبة الدراسات الجامعية العليا لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه حيث يمثل غياب التوازن بين أبواب البحث وفصوله وتوزيع قضايا وموضوعات وعناصر البحث بينها عيبا خطيرا.. لكنه يظل عيبا في الدستور إلا اذا اعتبرنا ان الباب الثالث باب السلطات العامة هو "جسم" الدستور وان الأبواب الأول والثاني والرابع والخامس هي "الأطراف". *** ومشكلة "الصياغة" هي أكبر مشاكل دستور 2012 ومع كل الاحترام لكل أساتذة وخبراء القانون الذين شاركوا في كتابته من خلال الجمعية التأسيسية فإن صياغته جاءت أشبه بصياغة "الهواة" منها إلي صياغة المحترفين المقتدرين. مواد صيغت بطريقة فضفاضة تصل بها إلي حد "الترهل".. وتفاصيل جري حشرها في بعض هذه المواد فلا تعرف ان كنت أمام مادة في دستور أم في قانون أم في لائحة. ولقد سمعت تعليقا من بعض الشباب حين قرأوا هذا الدستور بأنه يذكرهم بكتب مادة "التربية القومية" التي كانوا يدرسونها في المرحلة الثانوية. انظر مثلا إلي المادة 6 وهي من مواد الفصل الأول من الباب الأول والذي يختص بالمقومات السياسية للدولة والمجتمع.. يبدأ نص المادة بالآتي: "يقوم النظام السياسي علي مبادئ الديمقراطية والشوري". وكان يمكن للمشرع الدستوري أن يقف بالنص عند هذا الحد.. فمبادئ الديمقراطية عالمية ومعروفة للكافة وليست اختراعا مصريا أو اخوانيا.. لكن المشرع يمضي بعد ذلك قائلاً: .. والمواطنة التي تسوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة.. والتعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة.. والفصل بين السلطات والتوازن بينها وسيادة القانون.. واحترام حقوق الانسان وحرياته.. وذلك كله علي النحو المبين في الدستور". وأنت تقف حائرا أمام هذا النص.. هل هذه التفاصيل "إضافة" إلي مبادئ الديمقراطية والشوري.. أم هي شرح وتفسير لها؟! وقد اعتدنا أن تنتهي بعض مواد الدستور بالإحالة إلي القوانين المنظمة. بعبارة "وذلك وفقا لما ينظمه القانون".. أما في المادة 6 فالدستور يحيل إلي نفسه بعبارة: وذلك كله علي النحو المبين في الدستور.. فما الداعي للتكرار خاصة ان هذه التفاصيل كلها موجودة بالفعل في ديباجة الدستور وبطريقة أفضل عرضا وأحكم صياغة. وخذ من هذا الكثير.. المادة 15 مثلا وهي من مواد الفصل الثالث من الباب الأول والذي يختص بالمقومات الاقتصادية للدولة والمجتمع تنص علي الآتي: "الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها". وكان يمكن أيضا للمشرع الدستوري أن يقف عند هذا الحد.. لكنه يمضي "وتعمل علي تنمية المحاصيل والأصناف النباتية والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها وتحقيق الأمن الغذائي وتوفير متطلبات الانتاج الزراعي وحسن إدارته وتسويقه ودعم الصناعات الزراعية". ولا يمكن أن يكون هذا نصا دستوريا محترما.. فماذا ترك اذن للقوانين المنظمة لعمل مراكز البحوث الزراعية وبنك التنمية والائتمان الزراعي والجمعيات التعاونية الزراعية؟! هذه الصياغات المفصلة الفضفاضة تجعلك تشك في وجود علاقة ما بين من كتب الدستور ومن كان يكتب للدكتور محمد مرسي خطاباته.. نفس العقلية والأسلوب. *** أما الباب الرابع من الدستور فحكايته حكاية.. وقد سبق أن أشرت إلي بعض ما فيه في مقال سابق. عنوان الباب مثلا: الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية. ويقولون في الأمثال الشعبية "الجواب يبان من عنوانه".. لكنها أيضا قاعدة أكاديمية. فأبسط قواعد كتابة أي نص ان ما وضعته في العنوان أولا يأتي في التفاصيل أولاً. فإذا كان المشرع الدستوري قد وضع الهيئات المستقلة في العنوان قبل الأجهزة الرقابية فيجب أن يلتزم بنفس الترتيب في المتن. لكن المشرع هنا فعل العكس دون مبرر واضح وبدأ بالأجهزة الرقابية ثم تلاها بالهيئات المستقلة. هذه واحدة. ثم أنشأ المشرع في هذا الباب خمسة كيانات مستحدثة خلع علي كل منها صفة "الوطني" أو "الوطنية".. المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد.. المفوضية الوطنية للانتخابات.. المجلس الوطني للتعليم.. المجلس الوطني للإعلام.. الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام. وكلما كثر استخدام صفة الوطني والوطنية في اللافتات والشعارات كان ذلك مؤشرا علي تراجعها في العمل والممارسة. ثم استحدث المشرع مجلسا جديدا لا يوجد له مثيل إلا في المنظمات الدولية والاقليمية كالأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وهو المجلس الاقتصادي والاجتماعي. وهو مجلس ما انزل الله به من سلطان ولا يبدو من تشكيله "150 عضوا" إلا انه كان وسيلة لمزيد من التمكين ومكافأة أعضاء جماعة الاخوان بعضويته ليكون عبئا اضافيا علي الدولة ولا يختلف عن مجلس الشوري الذي يطالب الكثيرون بإلغائه. هذه مجرد خواطر من حصيلة مراجعة خاطفة للدستور لعلها تشير إلي اننا في حاجة إلي جهد كبير لتعديله أو لكتابة غيره حتي يصير لنا دستور يليق بنا شعبا وثورة ودولة. تاريخا وحاضرا ومستقبلا. من أجندة الأسبوع ** مشروع محور قناة السويس للمصريين فقط.. وبالاكتتاب الشعبي.. بداية عبقرية للمهندس ابراهيم محلب وزير الاسكان تعبر عن التقاء الإرادة الوطنية للشعب والجيش معا في حماية الأمن القومي وتحقيق مصلحة البلد. ** حان الوقت ل "تقنين" حقوق السكان المقيمين والمستخدمين في مناطق التظاهر والاعتصام تماما مثلما يجب تقنين حقوق المتظاهرين والمعتصمين.. فالكل مواطنون متساوون.. وحقوق الانسان لا تتجزأ.