يقولون في الأمثال "إن أخذ الحق حرفة".. أي أنك إذا أردت ان تصل إلي حقك عليك باعمال العقل والتدبر والتفكير بذكاء حتي تصل إلي ما تريد دون استخدام للقوة أو العنف أو إيذاء الغير حيث ان البعض قد يلجأ إلي تلك الوسائل طناَ منه بأنها التصرف الصحيح الأمر الذي قد يورطه في مخالفة القانون وبالتالي ضيع حقه. فأخذ الحق لا يأتي "بالدراع" أو "بلي الدراع" لأن الطرف الآخر قد يكون تفكيره بنفس تفكيرك فيبادلك القوة بالقوة وقد يغلبك. أو لا يسمح لك بذلك. لذا فالأفضل هو ما أشرت إليه في صدر المقال. هذا هو حال الجماعة في تلك الأيام منذ خلع الرئيس مرسي وللأن. فالجماعة تشعر بالظلم وتصف ما حدث بأنها مؤامرة أو انقلاب علي الشرعية التي أتت بالرئيس عبر صناديق الاقتراع. لذا فقد عقدت العزم علي إعادة الحق لصاحبه ولو بالقوة. معتبرة ان ذلك هو السبيل ناسية ان هذا ترتيب من الله عز وجل وان السيسي انصاع لأمر الشعب الذي اراد الاحتكام ثانية للصندوق إلا ان الرئاسة رفضت. فكان ما كان حتي الآن. فالإخوان لن يهدأوا ولن يتوانوا عن حقهم حتي ولو علي حساب راحة الشعب وأمن الوطن والمواطن. ما حدث قبل بضعة أيام لا يسر عدواً ولا حبيباً. بل نذير شؤم علي مصر في وقت نحن في أمس الحاجة إلي الراحة خاصة أننا في الشهر الفضيل الذي نسعي فيه جاهدين لارضاء الله وجني الحسنات بالصلاة في المساجد جماعة والحرص علي التراويح والامساك ليس عن الطعام وانما عن الخوض في احاديث تلهينا عن ذكر الله. ولكن يبدو ان البعض لا يهمه رمضان أو غيره وكأنه ليس غرة الأشهر الهجرية وتلك مصيبة خاصة إذا كان هذا يصدر من إناس لا نسمع منهم إلا قال الله والرسول وكل أمانيهم هي تطبيق الشريعة الإسلامية وإعادة زمن الخلافة الإسلامية. فقد شهدت شوارع رمسيس وشبرا بالقاهرة والبحر الأحمر بالجيزة اشتباكات ومصادمات دموية بين أنصار الرئيس المعزول وبين الأهالي والباعة الجائلين وقوات الأمن بعد قيام الانصار بقطع شارع رمسيس الحيوي وكوبري أكتوبر الشريان الرئيسي والحيوي للعاصمة والذي تستخدمه كافة المواصلات وتخيل الكم الهائل من السيارات التي توقفت عن السير. ناهيك عن وقف الحال "والخنقة" بعد يوم صيام حار. وتخيل الساعات الطويلة التي يقضيها أصحاب المصالح دون ذنب. وكأننا في يوم الحشر العظيم. وكنت واحداً من بين هؤلاء الملايين الذين تقطعت بهم السبل. ووجد نفسه محشوراً وسط الملايين بسيارتي. ولا أدري كيف أذهب أو إلي أين أذهب. فقد توقفت الحياة تماماً وأصابنا جميعاً القرف والاشمئزاز. ورحنا نجأر بالشكوي إلي الله أن يفك أسرنا وان يخرجنا من تلك الورطة علي خير. وألا نري مثل هذا اليوم ثانية. ورغم سماعي للكم الهائل من اللعنات علي الجماعة "واللي جابها" الا انني لم أفعل مثلما فعل بعضهم عندما دعوا علي القوي المعارضة بالهلاك ووصفهم بالكفر وغير ذلك وانما طلبت لهم الهداية ومراجعة النفس ومراعاة ظروف ومشاعر الغير حيث لا ذنب لي أو لغيري كي أجد نفسي في موقف كرهت فيه ليس نفسي وانما البلد بشكل عام. للأسف لم يراع انصار المعزول حرمة الشهر الفضيل ولا ظروف الملايين من المارة ومستخدمي الطرق. مع انهم أجدر منا في معرفة أصول الدين وصحيح الإسلام. وقاموا بقطع الطرق واشعلوا النيران في إطارات الكاوتشوك الأمر الذي استفز المارة والباعة والأهالي فتوسع نطاق الاشتباكات وزادت أعداد المصابين نتيجة المواجهات التي استخدمت فيها الأسلحة النارية وقنابل المولوتوف والشوم وباتت الشوارع ساحات حرب. وفي النهاية الضحية المواطن العادي الذي لا ذنب له في السياسة ولا في كيفية خلع مرسي ولا حتي يعنيه من الأمر في شيء سوي ان يجد قوت يومه وان يعيش عيشة كريمة. كان علي الإخوان ألا يلجأوا إلي العنف حتي لا تراق دماء جديدة فكفي ما سقط من مئات الشهداء وكفي فزعاً وترويعاً للآمنين. وتعطيلاً للمصالح. فما تمارسه الجماعة لا يزيدها إلا خسارا. لانهم سيفقدون تعاطف بقايا المتعاطفين معهم وسيزيد من السخط عليهم. مع ان المسألة بسيطة والتي أشرت إليها في بداية المقال وهي أخذ الحق حرفة.. بمعني ان الانتخابات قادمة وانهم بتوحيد صفوفهم وهم جماعة متراصة ومنظمة ومتماسكة يمكنها الحصول علي الأغلبية في مجلس النواب. وإذا ما حدث ذلك فيمكنهم ببساطة اسقاط الحكومة وتشكيل حكومة موالية لهم. بل ومن حقهم عزل الرئيس والدعوة إلي انتخابات رئاسية مبكرة. وبهذا يتحقق لهم المراد بدلاً من الجلوس في الميادين بالأيام والأشهر وقطع الطرق وضياع الوقت في عمل لا طائل منه. ولا داعي للبكاء علي اللبن المسكوب فقد انتهي الأمر وعلينا القبول بالأمر الواقع حتي ولو كان لا يوافق الهوي وفيه مرارة أو غصة من وجهة نظرهم. فالدنيا لا تقف علي أحد. ولن تدور عقارب الساعة إلي الوراء ولن ننشد ما نشدته سيدة الغناء العربي "قل للزمان ارجع يا زمان" لان هذا مستحيلاً. ودرباً من دروب الخيال. وأذكرهم بما فعله الإمام الحسن بن علي مع اختلاف الظروف عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان حقنا للدماء رغم انه كان الأحق والأجدر بها وبايعه أهل الكوفة والمدينة وسائر القبائل بالحجاز والعراق ماعدا الشام التي كان ولاء أهلها لمعاوية. وكانت ستكون له الغلبة للجيش لأن جيشه كان الأكثر عدداً وعدة وتمرساً علي فنون القتال. ولكن آثر السلامة حتي لا يشق صفوف المسلمين. وليوفر قوتهم في الفتوحات ونشر الإسلام. رحم الله هؤلاء وأين نحن منهم؟ ولنتعلم منهم الصبر والرؤية وصحيح الإسلام.