أراد المدير الكبير أن ينهي سنوات خدمته بهدية يقدمها إلي أبناء قريته.. أعد العدة واتخذ الإجراءات المطلوبة لتشكيل لجنة فريدة لتنفيذ خطته تضمن لكل طالب بمنطقته دخول جامعته وكليته. وفات علي المدير والمربي أنه أصاب الوطن والمواطنين في مقتل وقوضي أركان تقدمه وحضارته بسوء سلوكه وفعلته. شارك المدير في نشر ثقافة الغش والخداع.. وأعطي حقوق المتفوقين للمتخلفين والمتوسطين وقلب نظام العمل رأساً علي عقب فاختل الميزان وجاءت كل الأعمال تفتقد إلي الاتقان والأمان. كان الغش فرديا وأصبح في العقود الأخيرة جماعيا. يجد من يدافع عنه بل ويجعله من أعمال الخير والرحمة وتتكرر حالة هذا المدير الغافل في جميع الجهات وسائر الاتجاهات ومنها ما يجري في جميع الامتحانات في طول البلاد وعرضها خاصة الثانوية العامة ونقل وسائل الإعلام يوميا حوادث الغش الفردي والجماعي في جميع المحافظات والوسائل الجديدة المبتكرة لهذا السلوك المشين. في عصور خلت كان الناس يقولون إن فلانا نجح بالغش في الشهادة الابتدائية ويستمر هذا الأمر يلاحقه عبر سنوات عمره كسارق الأحذية في الجامع أو القطن من المزارع. ومن الطرائف التي تروي في هذا المجال أن أحد المتطوعين أمسك مكبر الصوت ووقف أمام إحدي لجان الشهادة الإعدادية وهو يخاطب الطلاب في اللجان: - اكتبوا إجابة السؤال الخامس: الحديث النبوي الشريف الذي يحض علي عدم الغش: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من غشنا فليس منا". ولعل هذا المثل يعكس حالة الفصام التي أصابت الكثيرين منا.. فهو يفعل الشيء ونقيضه في نفس اللحظة والأمم المتقدمة ترفض الغش بكل صوره لأنه ينعكس علي جميع أحوالها وسائر أعمالها وإنتاجها والدول المتخلفة تزداد تخلفا بسقوطها في مستنقع الغش الفردي والجماعي. وصور الغش كثيرة يضيق المقام عن ذكرها حتي علي سبيل المثال. انعقدت لجنة في امتحان إحدي الشهادات في إحدي السفارات العربية بدولة عربية تم توزيع ورقة الإجابة مع ورقة الأسئلة للبعض. احتج الآخرون فحصلوا علي نفس الورقة ونجحوا جميعا بتفوق. حدث ذلك منذ عدة سنوات ومنذ سنوات طويلة أيضا تكرر الحديث عن لجنة بإحدي المحافظات تقع علي مسافة بعيدة من عاصمة المحافظة كانت مخصصة لأبناء المحاسيب يحصلون علي أعلي الدرجات ويدخلون كليات القمة بطرق غير شرعية.. وبعد ذلك نسأل: لماذا تسقط العمارات قبل اكتمال بنائها ولماذا ينسي الأطباء الفوط والأدوات الطبية في بطون المرضي أمور أخري كثيرة في شتي المجالات تحدث بسبب أن الحقوق تتجاوز أصحابها الحقيقيين وتذهب إلي غير المستحقين فيختل الميزان وتتعطل الآلة الحضارية وتزداد تخلفا بينما تمضي الأمم الأخري إلي الأمام لأنها تعطي لكل ذي حق حقه.