شغلت الفكرة الصهيونية. ولا تزال تشغل اهتمامات الكثير من المفكرين وخبراء السياسة العرب. ولاسيما المهمومين بالهم القومي. لأن تلك الفكرة تعتبر الركيزة التي أسست لاغتصاب دولة فلسطين وإعلان قيام الكيان الصهيوني ليكون شوكة في ظهر الأمة العربية يعوق وحدته ويقطع تواصله الجغرافي ويدمر حاضره. ويهدد مستقبله. من أشهر المفكرين الذين فضحوا الفكرة الصهيونية كل من الراحلين الدكتور حامد ربيع والدكتور جمال حمدان.. يرحمهما الله.. وأعتقد ان جازماً ومعي الكثيرون أنهم دفعوا حياتهم ثمناً لتعريتهم للصهاينة وكشف أطماعهم الاستعمارية تحت ستار الديانة اليهودية. ورغم المخاطر سار علي دربهما الكثير من الباحثين الجادين المخلصين لأمتهم ومن بينهم أخي وصديقي وزميلي في مهنة "البحث عن المتاعب" الدكتور أكرم خميس الخبير في الشئون الإسرائيلية. فقد كرس الدكتور أكرم جهوده البحثية في الشئون الإسرائيلية منذ التحاقه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. جامعة القاهرة. وبعد تخرجه في قسم العلوم السياسية عام 1995 واصل البحث وحصل علي رسالة الماجستير بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف. وكان موضوعها "الأحزاب العربية في إسرائيل". ثم حصل مؤخراً علي درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولي من معهد البحوث والدراسات العربية. وموضوعها: "مستقبل إسرائيل في الفكر السياسي الصهيوني" بعد سنوات من البحث الجاد والشامل بإشراف أستاذنا المفكر السياسي الدكتور مصطفي السيد. وكشف الدكتور أكرم في رسالته القيمة إلي أن الصهيونية بمجملها مثلت تصوراً نظرياً لمستقبل بعينه لليهود. استناداً إلي ما اعتبرته نزوعاً فطرياً لديهم للعودة إلي صهيون. ثم باتت في مرحلة تالية مشروعاً يحتوي هذا المستقبل. فأداة لتنفيذه. فلما قامت إسرائيل. أصبح هدف حمايتها. فضلاً عن ترسيخ طابعها اليهودي. الشاغل الرئيس لمفكريها وسياسييها علي السواء. أكدت الرسالة استمرار استغلال الصهاينة للدين وأن الفكر الصهيوني بمجمله. انطلق في تعامله مع قضية المستقبل من افتراض أولي بأن مصير إسرائيل يتوقف علي نجاحها في حماية يهوديتها. بحسبان أن أي تراجع عن هذا الطابع. يعني زوالها. أو بالأحري خلخلة الأسس التي قامت عليها كتجسيد ل"حركة القومية اليهودية". وتظهر مقارنة الأدبيات التي ركزت عليها الدراسة أن مطلب الإقرار بيهودية الدولة. قد تمدد بشكل لافت خلال فترة ما بعد الحرب الباردة. بحيث أخذ منحي تصاعدياً حتي صار في وقت لاحق عنصراً أساسياً في خطاب الدولة وتعاملاتها الداخلية والخارجية. وتغذي هذا التمدد علي تطورات السياسة الدولية في بداية القرن الحادي والعشرين. فمن جهة سمحت المواجهة بين القوي الإسلامية الراديكالية العابرة للقوميات "تنظيم القاعدة" والقوي الغربية الكبري بقيادة الولاياتالمتحدة. للصهيونية أن تظهر نفسها كضحية للتعصب الإسلامي. ومن ثم التحدث كممثل للحضارة الغربية. ومن جهة ثانية. دعمت السياسة الأمريكية. خلال ولايتي الرئيس جورج بوش الابن "2001/2009" الخطاب الميثولوجي اليهودي. القائم علي نبوءة الخلاص. من خلال التأكيد المستمر علي أن حماية إسرائيل ك"دولة يهودية" يعد جزءاً من الاستراتيجية الكونية لبلاده. وخلص الدكتور أكرم في رسالته إلي فشل دولة إسرائيل في توفير الأمان لمواطنيها علي الرغم من استغلالها للدين واللجوء لمنهج التطرف اليمني أو ما يسمي "الانزياح يميناً" وأنه رغم مرور أكثر من 60 عاماً من الوجود الإسرائيلي لم يؤت هذا النهج ثماراً إيجابية علي الصعيد النفسي للجماعة الاستيطانية التي تنامي قلقها علي المستقبل بقدر تقوقعها علي ذاتها. وهو أمر يمكن النظر إليه من زاويتين: الأولي.. أن الدولة اليهودية فشلت في تحقيق الهدف الرئيس لها. وهو تخليص شعبها من عقدته التاريخية عبر إعادته لوطنه. والثانية.. أن الحل الصهيوني نفسه عجز عن حماية تلفيقيته الفكرية. بعدما فرض عليه الواقع تغليب قيمه الذاتية علي ادعاءاته الإنسانية. وفي الختام أقدم خالص التهنئة لأخي الدكتور أكرم. وأدعو مراكز الأبحاث العربية وكل الجهات المعنية بالصراع العربي الإسرائيلي. لنشر هذه الرسالة العلمية المهمة لكي تعم الاستفادة.