مرت عشر سنوات علي الغزو الأمريكي للعراق وعام علي انسحاب قوات الاحتلال ومازال العراق يتخبط في الإضطرابات السياسية والعنف الطائفي والتفجيرات الانتحارية التي حصدت مؤخراً ارواح ما يزيد علي 52 شخصاً ونحو 220 مصاباً. قد يكون من الصعب تقييم الآثار التي خلفتها الحرب وتبعاتها المستقبلية علي العالم بعد عشر سنوات فقط ولكن ربما يكون من المفيد أن نتذكر كيف بدأ الغزو وكيف روجت لنا الإدارة الأمريكية ادعاءاتها الكاذبة حول أسلحة الدمار الشامل في العراق لعلنا نلتمس بعض الدروس المستفادة. تعود جذور الحرب إلي عام 1991 ونهاية الحرب الباردة التي أدت إلي انهيار الاتحاد السوفيتي وهو كان ما يعني وقتها أن مبررات الامبريالية الأمريكية التي تهيمن علي العالم لم تعد قائمة ومن ثم كان يتعين علي كهنة البيت الأبيض وصقور البنتاجون أن يبحثوا بسرعة عن عدو بديل وبالفعل وجدوا ضالتهم في العراق وصدام حسين الحليف السابق للولايات المتحدة. كانت البداية مع انطلاق الرئيس بوش الأب لإنقاذ أمير الكويت بعدما أعطت واشنطن لصدام الضوء الأخضر لغزوها وبعدها ظل العراق لعقد من الزمان أسيراً للعقوبات والحصار والتفجيرات تحت إشراف إدارة الرئيس كلينتون التي استهدفت عمدا البنية التحتية للعراق فضلاً عن منع السلع الأساسية ومن بينها الأدوية من دخول البلاد مما تسبب في مقتل ما يقدر بنحو نصف مليون طفل. قد يعتقد المرء أن هذا الوضع كافي بالنسبة للعراق لا سيما وأنه ليس لديه نية للهجوم علي الولاياتالمتحدة ولكن المحافظين الجدد وحزب الحرب في واشنطن والذين انتقدوا بوش الأب لعدم اتخاذ قرار بغزو بغداد كانوا يعرفون أن ابنه يمتلك من الغباء بما يكفي للقيام ذلك. وشقت الخطط طريقها للتنفيذ قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر من أجل غزو أكبر.. وظهر بوش الابن أمام العالم ليعلن أنه يحمل للعراقيين الحرية والديمقراطية ولكنه في الحقيقة كان يحمل الموت والدمار الذي لا يزال العراقيون يتجرعون مراراته وآلامه إلي اليوم فبالإضافة إلي مقتل أكثر من مليون عراقي وتشريد نحو 5.4 مليون آخرين هناك الملايين من الأرامل والأيتام واللاجئين ويعاني العراقيون ايضاً من أمراض مزمنة جراء قذائف اليورانيوم التي استخدمتها القوات الأمريكية الغازية والتي بلغت بحسب عدد من الخبراء نحو 35 ألف طن من اليورانيوم وهو ما تسبب في زيادة معدلات وفيات الأطفال الرضع وتفشي السرطان والعيوب الخلقية للأطفال. في المقابل فقدت الولاياتالمتحدة ما يزيد علي 5 آلاف من جنودها فضلاً عن آلاف الجرحي. وبعد أحداث 11 سبتمبر عكف صقور البنتاجون وخبراء الحرب علي البحث عن مبررات للربط بين أسلحة الدمار الشامل وصدام حسين وبن لادن. ومن ثم انشئت برامج التعذيب الممنهجة لاستخراج اعترافات واهية من آلاف المعتقلين ووضعت الصحف والقنوات التليفزيونية المأجورة اللمسات الأخيرة في سيناريو محكم لإقناعنا والعالم بضرورة التخلص من صدام رغم أنه من غير المنطقي أن يكون صدام العلماني صديقاً ل بن لادن: الشيخ المتشدد. الحرب علي العراق في الحقيقة هي مثال صارخ للدعاية الكاذبة وهيمنة المصالح والشركات علي صناعة القرار في الولاياتالمتحدة فقد كلفت الحرب الولاياتالمتحدة نحو 3 تريليونات دولار من أموال دافعي الضرائب ولكن مكاسب الحرب تدفقت فقط علي الشركات العسكرية والمؤسسات الأمنية ومنها التبرعات الانتخابية لضمان استمرار مصالحهم وهو ما بات يهدد الأمريكيين بفقدان خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية. كانت الديمقراطية والحرية هما الهدف النبيل المزعوم للكاوبوي الأمريكي الذي تحرك بقواته ليحرر العراقيين من أسر صدام والآن يحكم العراق نظام يسيطر عليه الشيعة أو بالأحري حكومة متنافرة لها سجل حافل بانتهاكات حقوق الإنسان حتي أنها لم تتردد في سحق المظاهرات التي خرجت مؤخراً للمطالبة بمزيد من الديمقراطية والقضاء علي الفساد بين أفراد الطبقة الحاكمة. التعذيب في الوقت الراهن أمر شائع في بغداد وتستخدم الحكومة فرق الموت بوتيرة متزايدة للتخلص من خصومها السياسيين بما فيها التفجيرات الانتحارية والتي تتزايد مع ارتفاع أصوات المعارضة والاحتجاجات ضدها. ولكن الولاياتالمتحدة لم تعترف بذلك مطلقاً ربما لأنها تخشي من الاعتراف بفشلها في تحويل العراق من واحة للاسبداد والطغيان إلي واحة للديمقراطية والعدالة أو لأنها مستفيدة من أجواء العنف المتفشية في العراق والتي تهدد بشطر العراق إلي دويلات صغيرة متصارعة في إطار الصياغه الجديدة للشرق الأوسط. ويبدو أننا للأسف لم نستفد بعد من دروس تلك الحرب. فالأمريكيون يعملون الآن علي استدعاء أسطورة "الحرب علي الإرهاب" من أجل دق طبول الحرب علي إيران وبنفس الطريقة المستخدمة في العراق ربما يكون الاختلاف في الوجوه ولكن مقاصدها واحدة والمتأمل في السياسة الأمريكية والنهج الذي تتبعه لا سيما مع دول الربيع العربي سيدرك هذه الحقيقة عن ظهر قلب. فالديمقراطية والحرية شعارات براقة ولكن لا علاقة لها بالنوايا الحقيقية لواضعي السياسات الأمريكية والذين لن يترددوا ولو برهة في دعم أكثر الأنظمة السلطوية في شتي أنحاء العالم ما دامت تخدم مصالحهم وتحقق أحلامهم وتنبوءاتهم بالسيطرة والهيمنة البغيضة علي مقدرات العالم.