لا نريد اتفاقا فهذا لن يكون.. فإذا اتفقنا نفقنا كما تنفق البهائم.. وإذا اتفقت الأذواق بارت السلع في الأسواق.. نريد جوارا وحوارا.. وهذا أيضا لن يكون لأن العرب لا يتجاورون وكل فريق يرفع شعار "فيها أو أخفيها".. والعرب لا يتحاورون إلا بالسيف.. والحكومة والمعارضة في أي دولة عربية أو إسلامية في النار لأن الحكومة حريصة علي قتل المعارضة والمعارضة تسعي لقتل الحكومة.. والعرب يمارسون السياسة بطريقة قطاع الطرق.. الحكومة تقطع طريق المعارضة فتضع العربة أمام الحصان وتصدر القرار ثم تدعو إلي الحوار.. يعني حوار بعد القرار بحيث لا يوجد ما نتحاور حوله.. نفس طريقة إسرائيل تعلمها العرب وطبقوها علي بعضهم.. تخلق إسرائيل واقعاً علي الأرض ثم تطلب الجلوس علي مائدة التفاوض.. تقيم مستوطنات ثم تطلب التفاوض حول ما إذا كانت شرعية أم غير شرعية.. تخلق قضايا فرعية تتفاوض حولها لتضيع القضية الرئيسية.. والمعارضة أيضا تقطع طريق الحكومة بإقامة مطبات في طريقها بحيث لا تصل سيارة الحكومة أو قطارها إلي نهاية الطريق.. وهدف الحكومة والمعارضة واحد.. وهو الحكم والسلطة.. وكرسي السلطة عندنا لا يتسع إلا لأحد الفريقين.. لذلك لا يحسم الأمر إلا قتالا.. لا يحسم إلا بالدم كما حدث طوال عهودنا السوداء.. ولو كان الهدف هو الوطن لأمكن التجاور والتحاور.. لكن حب السلطة يعمي ويصم..وليس لدي الحكومة والمعارضة مانع من الوصول إلي الحكم ولو خرب الوطن.. فالعربي مستعد أن يكون رئيس أو أمير أو سلطان مقبرة.. المهم أن يحكم ويركب "ويدلدل رجليه". وشهوة السلطة ملكت علي العربي كل مشاعره.. وهذه الشهوة أفسدت حتي أهل الدين الواحد.. فحروب المذاهب والفتاوي والدعاة والفصائل الإسلامية من أجل السلطة لا من أجل الدين.. وشهوة السلطة هي التي تجعل كل فريق حريصا علي نفي الآخر لا علي اثبات نفسه وتقديم حجته.. وشهوة السلطة هي التي تجعل العرب في حالة هدم مستمرة دون بناء أي طوبة جديدة.. تجعلهم في حالة شطب ومحو بلا نهاية دون كتابة كلمة واحدة جديدة في الدفتر.. كل نظام جديد يستغرق الوقت كله في محو آثار النظام السابق وشطب انجازاته وتشويهه وتحميله كل الخطايا والإخفاقات واقتلاع كل ما زرعه دون أن يغرس النظام الجديد فسيلة واحدة.. كل نظام جديد يشن حرب إبادة ضد النظام الذي سلف.. لذلك يسميه النظام البائد والعهد البائد.. والحديث عن إنجازات للنظام السابق خيانة وكفر.. رغم أن أي نظام مهما بلغت خطاياه وسيئاته لابد أن له إيجابيات ولو بلا قصد منه.. والأهداف التي يسجلها أي نظام جديد ليست سوي أخطاء دفاعية ساذجة من النظام السابق.. أي أن النظام الجديد ليس له فضل هجومي.. أهداف النظام الجديد في أي دولة عربية سجلها النظام السابق في مرماه لأنه أصيب بدوار السلطة وعمي الكرسي فسجل أهدافاً في مرماه وانهزم.. وأي نظام جديد في أمة العرب يكرر نفس أخطاء سابقه ويصاب بدوار السلطة وعمي الكرسي ويبدأ تسجيل الأهداف في نفسه وفي مرماه حتي يفاجأ بأن المباراة انتهت بهزيمته وهو غافل.. يطول علي أي نظام الأمد فيقسو قلبه ويفقد البصر والبصيرة.. ويدخل جنته وهو ظالم لنفسه ويقول: ما أظن أن تبيد هذه أبدا.. والجنة هنا هي السلطة وكرسي الحكم.. وصاحب السلطة يغتر كصاحب الجنة ويقول لمن يعارضه: أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً.. والمال والفقر عندنا هما السلطة والحكم.. كل أنظمة الحكم في أمة العرب تدخل جنتها وهي ظالمة لنفسها.. والمعارضة إذا افترضنا المستحيل وصارت سلطة فإنها أيضا ستدخل جنتها وهي ظالمة لنفسها. وأنظمة الحكم في أمة العرب تسقط بظلمها لنفسها وغرورها لا بكفاءة وقدرات المعارضين والثوار.. عندنا لا يوجد معارضون ولا يوجد ثوار وإنما يوجد مستفيدون من عمي النظام وغروره وصلفه وقوله الدائم عن جنته: ما أظن أن تبيد هذه أبدا.. وكل نظام جديد يقع في نفس فخ الغرور والصلف والعمي والقول المأثور "خليهم يتسلوا".. وما أظن أن تبيد جنتي وسلطتي أبدا.. "وكله تمام يا افندم".. كل نظام جديد لا يملك مثل سابقه سوي الحل الأمني والبوليسي لمشاكله وخطاياه ومع الضربات الأمنية يزداد النظام صلفاً وغروراً وظلما لنفسه حتي يسقط بيده لا بيد عمرو.. والله تعالي يملي للظالم ويمد المستبدين في طغيانهم يعمهون.. ومهما ادعي أي نظام أن خلفيته ومرجعيته مختلفة عن النظام الذي سلف فإنه يفقد كل مرجعياته وخلفياته وبوصلته حين يصاب بعمي الكرسي وشهوة ونشوة وسكر السلطة.. والخلفيات والمرجعيات اللسانية لا يجب أن تخدع العقلاء.. فاللص يقدم المشيئة وهو يتهيأ للسرقة والسطو.. ويقول: سأسرق إن شاء الله.. والزاني يطلب الستر وهو يزني ويقول "ربنا يستر وماحدش يشوفني".. تماما مثل المصلي الذي يقدم المشيئة وهو ذاهب إلي المسجد.. والمتصدق في السر الذي يدعو بالستر.. هذه كلها مرجعيات وخلفيات لسانية وليست قلبية وقائلها يزداد إثماً ووزراً ولا ينال أجراً. **** السلطة هدف الجميع وإدمان الجميع واللعوب التي يلاحقها الجميع في أمة العرب.. والطرق إليها متعددة ومختلفة.. هناك فريق يذهب إليها عن طريق المسجد أو الكنيسة.. أي يسلك إليها السبل الدينية.. وهناك فريق يذهب إليها عن طريق الحانة أو المرقص.. ويسلك إليها السبل الكفرية.. فالصراع علي السلطة في أمة العرب صراع بين كافر ومنافق وكل منهما عاشق للسلطة وعبد ذليل لها حتي ذلك المنافق الذي يزعم عبادته لله وحده. نحن لا نمل التكرار.. وبالتحديد تكرار الخطايا.. والأنظمة تتوارث الخطايا والسيئات بلا أي إضافة جديدة.. لذلك لم تختلف أبداً لغة الخطاب من نظام إلي آخر.. كل نظام يري معارضيه بلطجية ومأجورين ومهددين للاستقرار.. والاستقرار عند أي نظام هو استقراره هو علي كرسي السلطة.. كل نظام يلعب بورقة الاستثمار الذي لن يتحقق إلا بالاستقرار.. ويلعب بورقة لقمة العيش التي تهددها المعارضة.. والفئة المندسة منذ أيام "بكا كادسا".. لذلك قلت لكم وسأظل أقول إن أي دولة عربية لم يحكمها أبدا نظام جديد علي أنقاض نظام سابق.. ولم تشهد أبدا ولن تشهد عهدا جديدا.. هو دائما وأبدا نظام واحد اختلفت أسماؤه وشخوصه.. وعهد واحد اختلفت تواريخه وأزمنته.. فما كان عام 1013 هو نفسه ما نحن فيه عام 2013 وما سيكون فيه الناس عام 3013 إذا لم تقم الساعة قبل هذا التاريخ. والشعوب العربية ظواهر جغرافية.. مثل التلال والجبال والهضاب والبحار والأنهار.. ليس لديها اعتراض علي من جاء أو علي من ذهب.. فالجبل لا يرفض أن يكون جحراً لفأر أو عريناً لأسد.. والبحر لا يعترض علي أي سفينة تشق عبابه.. سفينة قمح أو سفينة نفايات نووية.. والسفينة التي تغرق لا دخل للبحر في غرقها وإنما غرقت بخطاياها وخيبة طاقمها.. كذلك الشعوب العربية.. يأتي من يأتي.. ويذهب من يذهب "ولا هي هنا".. والشعوب العربية لمن غلب مثل الجبال والهضاب والأرض يملكها الجيش المنتصر بلا أي اعتراض منها. وتحويل الشعوب العربية من اتجاه إلي اتجاه مضاد لا يلقي أي مقاومة ولا يتطلب جهداً ولا خططاً.. فالناس عندنا بمنتهي السهولة واليسر علي دين ملوكهم.. الشعوب عندنا قماشة طيعة يمكن تفصيلها بنطلون جينز أو جلباب.. يمكن تفصيلها "بادي".. أو "نقاب".. المسألة لا تتطلب إقناعاً ولا جدلاً.. فالجبال والهضاب والتلال والبحار لا تقاوم من يملكها.. والأنهار لا تقاوم من يريد تحويل مجراها.. الشعوب العربية لا تقاوم تحويلها من اتجاه إلي اتجاه مضاد.. لأنها أصلا بلا اتجاه.. وهي لمن غلب.. نحن شيعة مع الفاطميين.. وسنة مع الأيوبيين.. نحن أبناء الطبالة.. التي خرجت بالطبل والزمر والرقص في استقبال المعز لدين الله الفاطمي وحشدت خلفها الألوف الذين جمعتهم طبلة الطبالة لا حب الفاطميين فأعجب المعز بها وأقطعها مساحة كبيرة من الأرض صارت ملكها وسميت حتي الآن "أرض الطبالة" ومازال أبناء وأحفاد الطبالة وسيظلون يمارسون طقوس أمهم مع كل نظام جديد قديم.. مازال أبناء الطبالة وسيظلون علي عهدهم "تلمهم طبلة ويفرقهم كرباج".. يرغبون في ذهب المعز ويرهبون سيفه.. وورثت الأنظمة وتوارثت علي مدي الأزمنة طريقة ذهب المعز وسيفه.. طريقة العصا والجزرة.. كل نظام يذهب يترك إلي جانب الكرسي العصا والجزرة ليرفعهما القادم الجديد في وجوه الشعب.. وهكذا تعلمنا الخضوع لأي نظام والسير أمامه أو خلفه كالقطيع إلي حيث يريد.. تعلمنا الطاعة خوفاً من العصا وطمعاً في الجزرة.. ودائما "نقبنا علي شونة".. فالجزرة للمحاسيب والعصا لنا جميعا.. الجزرة لا تكفي الجميع فيأكلها المحاسيب.. لكن العصا تكفي الجميع ضرباً وإيلاماً.. وليس في الجزرة سوي رأسها يأكلها أهل الحظوة ويلقون إلينا بساقها وورقها الذي لا يؤكل ولا نملك إلا أن نقول بعد فوات الأوان "إنها جزرة وقطمها جحش".. والواقع ان الجحش هو الذي صدق أنه سينال الجزرة وسينال نصيبه من الكتاكيت "اللي بتحدفها الحداية".. "والحداية مابتحدفش كتاكيت". **** لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يرسل كل الأنبياء إلي أقوامهم ويرسل نبينا صلي الله عليه وسلم إلي العالمين والناس كافة وأن يرسل سيدنا موسي عليه السلام وأخاه هارون إلي فرعون وحده.. دائما نبي واحد إلي قومه.. لكن موسي وهارون نبيان لشخص واحد.. لأن فرعون إذا كفر كفر معه الجميع وإذا آمن آمن معه الجميع.. فالناس عندنا علي دين الملك.."فرعون هو الكل في الكل".. هو القادر علي الحشد في يوم الزينة أو غيره عن طريق الحاشرين في المدائن.. والناس اعترفوا منذ فرعون بأنهم مع الغالب وعلي دينه واتجاهه "لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين".. الناس لا يردعهم ولا يوقظهم من غفلتهم أي جراد أو قمل أو ضفادع أو دم أو طوفان.. وقد جاء الجراد.. والبقية تأتي.. الناس مازالوا مع كل ناعق منذ يوم الزينة.. إلي مليونية الطبالة إلي مليونيات التحرير والاتحادية وجامعة القاهرة.. ومازلنا ندار بالذهب والسيف والعصا والجزرة.. ودائما وعد الذهب مكذوب ووعد السيف صادق.. ووعد الجزرة مكذوب ووعد العصا صادق.. ونحن نحلم بكيت وكيت وننتظر "الحداية اللي بتحدف كتاكيت"!!! نظرة بطانتك تنبيء عنك وتدل عليك.. لا حاجة للكلام عنك مدحاً أو ذماً.. فحجابك ووزراؤك مرآتك.. والبعرة التي تدل علي بعيرك.. وتقول العرب لا يستعين الضعيف إلا بمن هو أضعف منه.. ولا يولي الأحمق إلا من هو أحمق منه.. ويروي أن أحمد بن الخصيب كان وزيراً للمستنصر العباسي ثم صار وزيراً أيضا للمستعين العباسي من بعده.. وكان أحمق أبله لا يحسن حتي الكلام.. فقيل عنه: كان يسمع غير ما يقال ويحفظ غير ما يسمع ويكتب غير ما يحفظ ويقرأ غير ما يكتب.. وكان توليه الوزارة كافيا لذم الخليفتين ورميهما بالحمق.. وقيل ان أحمد بن عمار الشاعر مدح ابن الخصيب بشعر لا معني له فطرب له حيث قال ابن عمار في مدح ابن الخصيب: شجاع لجاج كاتب لائب معا .. كجلمود صخر حطه السيل من عل حبيص لبيص مستمر مقوم.. كثير أثير ذو شمال مهذب بليغ لبيغ كل ما شئت قلته .. لديه وان اسكت عن الأمر يسكت أديب أريب فيه فهم وعفة .. عليم بشعري حين أنشد يشهد وراح ابن الخصيب يتمايل طرباً وسر سرورا عظيما وأمر بعشرة آلاف درهم لابن عمار وأجري له ألف درهم كل شهر.. اسألوا عن ابن الخصيب بيننا وستجدونه حياً في كل موقع ومنصب.. يكافيء من لا يستحق ويعاقب من لا يستحق.. !!!