روبيو يحذر من أن الحكومة الانتقالية في سوريا على حافة الانهيار    ترامب يعلن عن رؤيته المقترحة لبرنامج القبة الذهبية للدفاع الصاروخي    موعد نهائي الدوري الأوروبي بين توتنهام ومانشستر يونايتد    جيش الاحتلال يعلن مقتل أحد جنوده في اشتباكات بقطاع غزة    لينك و موعد نتيجة الصف الأول الثانوي الأزهري الترم الثاني 2025 برقم الجلوس    مساعدات عاجلة واستئناف «هدنة غزة».. تفاصيل مكالمة وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي    أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 21-5-2025 بعد الهبوط الجديد.. وبورصة الدواجن الآن    ثلاثي الأهلي يجتاح قائمة الأفضل ب الدوري في تقييم «أبو الدهب».. ومدرب مفاجأة    الخارجية الفلسطينية ترحب بالإجراءات البريطانية ضد ممارسات الاحتلال في الضفة وغزة    مصرع طفلتين غرقا في ترعة بسوهاج    المستشار محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية اجتهاد وليس كتابا مقدسا.. لا شيء في العالم عليه إجماع    أفضل وصفات طبيعية للتخلص من دهون البطن    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفى والإعلامى (2)    بسبب المخدرات.. شاب يقتل والده خنقًا ويحرق جثته في بني سويف    الدولار ب49.86 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأربعاء 21-5-2025    الإيجار القديم.. محمود فوزي: الملاك استردوا استثماراتهم.. الشقة كانت تُباع بألف وتُؤجر ب15 جنيهًا    واقف على باب بيت وبيقرأ قرآن، نجل سليمان عيد يروي قصة حلم شخصين لا يعرفهما عن والده    ملحن آخر أغنيات السندريلا يفجّر مفاجأة عن زواج سعاد حسني وعبدالحليم حافظ سرا    محافظ الدقهلية يشهد حفل تجهيز 100 عروس وعريس (صور)    أسطورة ليفربول: مرموش يمكنه أن يصبح محمد صلاح جديد    «غزل المحلة» يعلن مفاوضات الأهلي مع نجم الفريق    سي إن إن: إسرائيل تستعد لضربة محتملة على المنشآت النووية الإيرانية    طريقة عمل المكرونة بالصلصة، لغداء سريع وخفيف في الحر    ننشر أسماء المصابين في حادث تصادم سيارتين بطريق فايد بالإسماعيلية    هبوط عيار 21 الآن بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة    بعد شهر العسل.. أجواء حافلة بالمشاعر بين أحمد زاهر وابنته ليلى في العرض الخاص ل المشروع X"    عاجل.. الزمالك يرفض تظلم زيزو.. ويوم 4 يونيو سيكون الأخير له داخل النادي    تقدر ب2.5 مليون دولار.. اليوم أولى جلسات الطعن في قضية سرقة مجوهرات زوجة خالد يوسف    رسميًا الآن.. رابط تحميل كراسة شروط حجز شقق الإسكان الاجتماعي الجديدة 2025    ترامب يتهم مساعدي جو بايدن: سرقوا الرئاسة وعرضونا لخطر جسيم    6 إصابات في حريق شقة بالإسكندرية (صور)    52 مليار دولار.. متحدث الحكومة: نسعى للاستفادة من الاستثمارات الصينية الضخمة    الخطيب: سعداء بالشراكة الجديدة والجماهير الداعم الأكبر للأهلي    محافظ الغربية يُجري حركة تغييرات محدودة في قيادات المحليات    مجلس الصحفيين يجتمع اليوم لتشكيل اللجان وهيئة المكتب    تفسير حلم الذهاب للعمرة مع شخص أعرفه    رئيس الجامعة الفرنسية ل"مصراوي": نقدم منحا دراسية للطلاب المصريين تصل إلى 100% (حوار)    المستشار محمود فوزي: لا يمكن تقنين الخلو.. ومقترح ربع قيمة العقار للمستأجر به مشاكل قانونية    حدث في منتصف الليل| الرئيس يتلقى اتصالا من رئيس الوزراء الباكستاني.. ومواجهة ساخنة بين مستريح السيارات وضحاياه    شاب يقتل والده ويشعل النيران في جثته في بني سويف    لميس الحديدي عن أزمة بوسي شلبي وأبناء محمود عبدالعزيز: هناك من عايش الزيجة 20 سنة    اللجنة العربية الإسلامية: نرحب ببيان بريطانيا وفرنسا وكندا لوقف حرب غزة ورفع الحصار    ميكالي يكشف موقفه من تدريب الزمالك    الجمعة 6 يونيو أول أيام العيد فلكيًا.. والإجازة تمتد حتى الاثنين    رابطة الأندية: بيراميدز فرط في فرصة تأجيل مباراته أمام سيراميكا كليوباترا    تحول في الحياة المهنية والمالية.. حظ برج الدلو اليوم 21 مايو    إرهاق مزمن وجوع مستمر.. علامات مقاومة الأنسولين عند النساء    بمكونات سهلة وسريعة.. طريقة عمل الباستا فلورا للشيف نادية السيد    نائبة تطالب بتوصيل الغاز الطبيعي لمنطقة «بحري البلد» بأسيوط    عضو مجلس يتقدم بطلب لتفعيل مكتب الاتصال الخدمي بنقابة الصحفيين (تفاصيل)    تفسير حلم أكل اللحم مع شخص أعرفه    نص محضر أبناء شريف الدجوي ضد بنات عمتهم منى بتهمة الاستيلاء على أموال الأسرة    «منصة موحدة وكوتا شبابية».. ندوة حزبية تبحث تمكين الشباب وسط تحديات إقليمية ملتهبة    المدرسة الرسمية الدولية بكفر الشيخ تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة    هل يجوز الجمع بين الصلوات بسبب ظروف العمل؟.. أمين الفتوى يُجيب    تعرف علي موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    وفد صيني يزور مستشفى قصر العيني للتعاون في مشروعات طبية.. صور    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر هي أمي وجوزها هو عمي!!
نشر في الجمهورية يوم 20 - 12 - 2012

الأسود الأربعة علي كوبري قصر النيل إذا سمعوا أذان الفجر كل يوم ينزلون إلي النيل يتوضأون ثم يصلون ثم يعودون إلي أماكنهم علي الكوبري.. "ازاي"؟.. حل اللغز بسيط جدا.. وهو "اذا سمعوا.. لو سمعوا.. ان سمعوا".. نحن في انتظار أن يسمعوا أذان الفجر.. نحن في انتظار ما لا يأتي.. نحن في انتظار نتائج التحقيقات.. إذا اثبتت التحقيقات ان زيدا قتل عمرا فسوف يتم تقديم زيد للعدالة.. العدالة لابد أن تأخذ مجراها ومرساها.. ولا أحد في مصر فوق القانون.. الكل فوق الكالون.. مصر دولة كانون.. كانون الأول .. ديسمبر وكانون الثاني يناير مصر دولة 25 كانون.. و"ابقي قابلني.. لو أثبتت التحقيقات ان زيدا ضرب عمرا".. نحن نعرف القتيل.. هذا حقنا.. ومن حقوق الإنسان في مصر أن نعرف القتيل.. لكن ليس من شأننا أن نعرف القاتل.. مصر دولة كانون ليس فيها تمييز.. يعني لا أحد في مصر عنده تمييز.. مصر تلتزم بحقوق الانسان.. لكن المشكلة ان فيها حقوقا وليس فيها إنسان.. الأفعال في مصر مبنية للمجهول.. والجرائم في مصر ضد مجهول وعلماء النحو يقولون ان سبب بناء الفعل للمجهول هو الجهل بالفاعل أو الخوف منه.. المصريون يبدأون وينهون كلامهم بعبارة "ده بيقولك ان حصل كذا وكذا".. ونحن لا نعرف "مين ده اللي بيقولك".. وإذا أردت أن يقرأ لك الناس ويسمعوك فلا تكتب ولا تقل كلاما له معني.. ولا تقل ولا تكتب الحقيقة فالحقيقة في مصر بضاعة كاسدة بائرة ليس لها زبائن.. التهجيص هو الذي يحقق لك الشهرة والنجومية.. وإذا حاولت أن تمشي "جنب الحيط" فستواجهك مشكلة عدم وجود حوائط ولا أرصفة.. فقد تم هدم جميع الحوائط والأرصفة منذ طوفان 25 كانون لاستخدام حجارتها ضد الأعداء.. والمصريون أعداء بعضهم.. وأنت لا تستطيع أن تمشي "عدل" لأنك عدو الكل والكل أعداؤك.. وعدوك لن يحتار فيك وبدلا من الحيرة فإنه سيقتلك أو يقتحم دارك.. لا وقت للحيرة ولا أحد لديه صبر لكي ينتظر نتيجة التحقيقات.. فنتائج التحقيقات عندنا لا تأتي ولا تظهر أبدا.
شعب مصر "ما بيصحاش بدري".. هو دائما يستيقظ متأخراً "تكون المحلات قفلت.. والصناديق اتقفلت.. والبضاعة شطبت".. لذلك اعتدنا أن تكون حياتنا كلها فائتة.. صلاتنا فائتة وثوراتنا فائتة وانتخاباتنا فائتة "كل عيشتا فايتة وبايتة".. ديمقراطيتنا "بايتة" وعدالتنا "بايتة".. وعيشنا "بايت" وكرامتنا "بايتة".. كل أمورنا "حمضانة".. والعرب تقول: كل شيء تفعله في وقته فقد مضي وقته فما بالك بالشيء الذي نفعله بعد وقته.
في مصر كلنا عازفون علي القانون.. عندنا قوانين تفيض علي حاجتنا ويمكن تصديرها للخارج لكن ليس عندنا تطبيق للقانون.. نحن نكتب الدستور ونقره في ثماني عشرة ساعة لكننا لا نطبق منه مادة واحدة في ثماني عشرة سنة.. والقوانين والدساتير عندنا علي "قفا من يشيل".. "وقفانا شايل كتير ومستحمل كتير".. والقوانين والدساتير عندنا "حمالة أوجه".. وهي مصنوعة خصيصا من أجل قهرنا بالدستور والقانون.. وضربنا بالدستور والقانون.. وإذلالنا بالدستور والقانون.. كل البلاوي والمخازي عندنا في إطار الدستور والقانون.. ونحن علينا دائما أن ننتظر نتائج التحقيقات.. علينا أن ننتظر ما لا يأتي.
والشعب المصري ليس مظلوما ولا مقهورا لكنه للأمانة وللتاريخ يستحق ما جري وما يجري له.. وكل الذين راهنوا عليه خسروا الرهان ولا أحد يكسب الرهان علي هذا الشعب إلا من يحكمه ويشكمه.. اركب أولا ثم قل انك جئت بإرادة الشعب وستكسب الرهان "احنا بتوع الحكومة".. وليست الحكومة "هي اللي بتاعتنا".. الشرعية تفرض علينا فرضا ثم نقول: نحن مع الشرعية.. نحن نضنع آلهتنا بأيدينا ثم نعبدها.. لا يوجد عندنا حاكم ديكتاتور وظالم بذاته.. ولكننا عباقرة في صناعة الظالم والمستبد والديكتاتور..
الفقراء المعدمون ليست لديهم شروط فيمن يتصدق عليهم.. المتسول ليست لديه شروط فيمن يعطيه الحسنة.. هو يقبلها من لص.. يقبلها من قاتل.. واللصوص والقتلة والظالمون والمستبدون أكثر الناس تصدقا لأنهم يغسلون أموالهم القذرة.. ومصر هي أمي.. "واللي يتجوز أمي أقوله يا عمي".. لا شروط لنا فيمن يتزوج أمنا.. "المهم الاستقرار .. والعجلة تمشي.. وأمنا تهدأ وتبقي سعيدة".. وليس من المستحب أن تتداول أمي الأزواج.. تداول الأزواج عيب ولا يؤدي إلي الاستقرار.. ونحن ليس لنا شروط في زوج أمنا.. في كل الأحوال سنقول له يا عمي.. وطني.. اخواني.. سلفي.. ليبرالي.. شيوعي.. رأسمالي.. أجنبي.. محلي.. أمريكي.. اسرائيلي.. في كل الأحوال سنقول له: يا عمي فنحن عندنا "عمي الدبب".. وزوج أمنا أمر واقع ولا نملك إلا أن نقول له: يا عمي مادام سيصرف علينا ولو من مال حرام "المهم استقرار أمي وسعادتها".. ونحن عندنا رذيلة التكيف مع أي وضع مهما كان سيئا ومقرفا.. عندنا قدرة علي الاعتياد والتآلف والتأقلم والتكيف "يا عم احنا عايزين نعيش.. عايزين ناكل عيش.. اللي يركب يركب بس نخلص ونفوق.. وفيها ايه لما نجرب مائة سنة كمان.. يا عم ادوله فرصة خمسين سنة" وبعد ذلك تطلب أمنا الطلاق منه إذا عاشت وتتزوج غيره.. انها نفس نظرية التجربة والخطأ التي أطلقتها ثورة يوليو ..1952 نجرب ونخطيء ونتعلم من أخطائنا.. ولست أدري كيف يمكن أن نتدارك الخطأ إذا كانت التجربة علي الإنسان.. يعني نقطع يد أو رجل انسان مريض ليعيش.. نجرب قطع يده أو رجله "ونشوف".. فإذا لم تفلح التجربة فكيف يمكن أن نعيد له يده المقطوعة؟!!
****
لا ينبغي أن يظن أي نظام حكم في مصر ان له شعبية كاسحة دون سابقية فالذين أعطوا أصواتهم لحزب الوفد قبل ثورة يوليو هم وأبناؤهم أعطوا أصواتهم أيضا للاتحاد الاشتراكي.. وهم وأبناؤهم وأحفادهم أعطوا أصواتهم للحزب الوطني.. وهم وأبناؤهم وأحفادهم وأبناء أحفادهم أعطوا أصواتهم للنظام الحالي.. وسيعطون أصواتهم للنظام القادم.. لا فرق.. يركب النظام أولا ثم يحصل علي الأصوات والشعبية.. الكتل التصويتية للوفد هي نفس الكتل التصويتية للاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني وحزب الحرية والعدالة.. يتزوج النظام أمي أولا وبعدها أقول له يا عمي.. يتزوجها عرفيا.. يتزوجها رسميا.. يتزوجها "مسيار".. يتزوجها بالعافية.. يتزوجها برضاها.. لا فرق سأقول له في كل الأحوال يا عمي.
في الصعيد مثلا.. وفي سوهاج بالتحديد لم تعرف هذه المحافظة في حياتها أي نوع من المعارضة السياسية دائما "هم بتوع الحكومة".. أي حكومة وأي حكم.. والشعبية الكاسحة التي يحظي بها أي نظام حكم في سوهاج خصوصا وفي الصعيد عموما شعبية مزيفة.. أو شعبية قطيع.. هي نفسها التي حصل عليها النظام الذي سبقه وسيحصل عليها النظام الذي يليه.. تركيبة الناس هناك تركيبة تابعة.. وهي تركيبة مصرية عامة لكنها في الصعيد أكثر وضوحا من بحري.. وقد عرفت كل الأنظمة هذه التركيبة في الصعايدة لذلك لم يهتم أي نظام بغضب أو رضا الصعايدة.. ولا بأمور الصعيد لأن شعار أي نظام هو "انهم في كل الأحوال معنا.. انهم مع أي نظام.. هم قوم مضمونون زي ورقة البوستة".. فلا خوف منهم ولا مطالب لهم ولا قيمة.
الصعايدة وبالذات السوهاجية رصيد مضمون في حساب أي نظام.. وهو رصيد ثابت تتوارثه الأنظمة المتعاقبة بلا عناء.. وجل المصريين رصيد مضمون في حساب أي نظام.. ولا حاجة لتزوير الأصوات لأن الإرادات نفسها مزورة.. التزوير في مصر من المنبع.. من القلب والارادة والضمير فلا حاجة إلي تزوير الصناديق.
والمقولة الشهيرة "مصر لمن غلب" لاشك في صدقها.. فلم يحدث علي مر التاريخ تداول سلمي للسلطة في مصر.. ولن يحدث.. لابد من انقلاب ومؤامرة لإزاحة نظام وإقصاء سلطة لتحل محلها أخري تظل متشبثة بالحكم إلي أن تزاح بانقلاب آخر ومؤامرة أخري أو بموت الحاكم.. حتي موت الحاكم لا يحدث بعده تداول للسلطة وانما هو امتداد لنفس السلطة.. هو توريث جمهوري بدلا من التوريث الملكي "وكله بالدستور والقانون".. وحكم مصر من السهل جدا أن تقبله ولكن من الصعب جدا حتي المستحيل أن تتركه إلا راغما وغصبا عن عينك.. مصر أسهل دولة يمكن حكمها.. وشعبها لا يحتاج إلي عبقرية وحنكة لقيادته.. مصر ليس فيها مرتفعات ومنخفضات قبلية وطائفية وعرقية تتطلب كياسة وحنكة من حكامها.. هي دولة سهلة منبسطة منسجمة سلسة القياد.. وشعب يسهل جدا خداعه والضحك عليه خصوصا بالدين والذين يستخدمون الدين في إدارة شعب مصر ليسوا في حاجة إلي تخطيط وعبقرية وحنكة ومهارة.. يكفي أن يقولوا انهم يفعلون ما يفعلون باسم الله وعلي بركة الله.. وساعتها لن يجدوا أي اعتراض أو ممانعة أو مقاومة.
ربما مع الوقت ستشهد مصر تناقضات وستتحول بفعل هوجة يناير إلي دولة ذات تضاريس صعبة.. مع الوقت تزداد الهوة اتساعا فالناس لم يكسروا حاجز الخوف فقط كما يقال لكنهم خلعوا أيضا برقع الحياء.. مصر بالتأكيد مقبلة علي فتن كقطع الليل المظلم وليس من دواعي الفخر أن نقول ان الناس كسروا جدار الخوف.. لأن كسر جدار الخوف مصيبة كبري ليس بعدها مصيبة أخري.. فنحن نعيش حياتنا بالخوف.. ولو زال الخوف لعمت الفوضي.. النظام الذي يجب أن يحكم حياة أي شعب هو الخوف أولا والطمع ثانيا.. ونحن نعبد الله وندعوه خوفا أولا وطمعا ثانيا.. وحياتنا ستكون بلا أي معني إذا لم يكن فيها ما نخاف منه وما نخاف عليه.. نخاف الله.. ونخاف عذابه.. ونخاف من الفقر ونخاف من الحاجة.. ونخاف من القانون.. ونخاف من العقاب.. ونخاف علي أولادنا.. ونخاف من المستقبل وعليه.. لا عمل ولا انجاز ولا حركة بلا خوف.. نحن نتحرك في الحياة لندفع ضررا وأذي أولا ثم لنجلب منفعة بعد ذلك.. ودرء المفاسد مقدم علي جلب المنافع.. تلك قاعدة من أصول الفقه.. ودرء المفاسد خوف وجلب المنافع طمع.. والخوف مقدم علي الطمع.
****
والخوف يخلق الإبداع.. وإذا كان كل شيء مباحا ومتاحا بلا خوف فإن القرائح تنضب وتنعدم الفروق الفردية بين البشر كما هو حادث في مصر الآن.. أما في ظل المحاذير والمخاوف فإن القرائح تتألق والعبقريات تظهر والفروق الفردية تتضح.. لذلك ثبت من الرصد الدقيق ان المبدعين والعباقرة يكثرون في الدول الديكتاتورية وفي ظل النظم الاستبدادية.. أما في زمن الإباحة والإتاحة والفوضي فإن كل شيء يصبح رخيصا وغير ذي قيمة.. تماما كما يحدث في مصر الآن حيث صار كل الكلام مباحا لدرجة ان دعاة ومشايخ وعلماء كان لهم وقار فقدوه واحترام وأدوه يتحدثون عن الخراف وما تفعله بالنعاج وعن الأشخاص الذين اعتلوا الفنانة وعن الواقي الذكري والمطهر المهبلي ويطلقون قطعانهم لتعيث في الأرض فسادا.
مصر في طريقها إلي أيام أكثر سوادا.. وإلي مساحيق فوضي تغسل أكثر سوادا وقتامة.. ومن البلاهة أن يتحدث المرء عن الأمل في هدوء الأوضاع.. ومن الخيبة أن يقال ان ما يحدث في مصر أمر طبيعي تتعرض له كل الدول وفي أعقاب كل الثورات.. هذا كلام فارغ لأن ما يحدث في مصر قتل الثورة نفسها.. فلم تعد هناك ثورة يقال ان ما يحدث من توابعها.
لقد عشنا ومازلنا نعيش وهما كبيرا سميناه ثورة 25 يناير.. وقد آن الأوان لأن نعترف بأن ما سميناه ثورة 25 يناير لم يكن سوي صنم صنعناه بأيدينا ثم عبدناه.. وجعلناه إلها حرمنا العيب في ذاته.. والذين اخترعوا قانونا سموه قانون حماية الثورة كانوا يريدون حماية ما لا وجود له.. أو كانوا يريدون حماية أنفسهم باعتبارهم الثورة.
الكتابة والكلام في مصر الآن عبث ورفث وفسوق وعصيان.. فالكتاب والقوالون ملأوا البلد.. وصاروا أكثر من الكلاب والقطط الضالة في شوارع المحروثة.. كل شيء في مصر ينسب إلي الشوارع.. أطفال شوارع وصحفيو شوارع وإعلاميو شوارع وكتاب شوارع وسياسيو شوارع. لا قيمة لشيء في زمن الفوضي.. وانت حين تهاتي في الزحام والمليونيات المزيفة والمضروبة فإنك تصرخ في واد وترقم علي الماء.. كل الناس يفهمون ولا أحد يفهم شيئا.. كل الناس في مصر فقهاء ولا أحد يفقه شيئا.. لا جدوي من الحوار مع أحد لأنه حوار طرشان.. ليس سوي تبادل نباح بين كلاب ضالة.. وقافلة الظلم والفساد والاستبداد والخراب في مصر تسير آمنة مطمئنة منذ عشرات السنين وستظل تسير آمنة مطمئنة مئات السنين وسط كلاب تعوي النظام أي نظام يحكم مصر هو القافلة التي تسير آمنة.. والمعارضة في مصر هي الكلاب التي تعوي.. هي دائما معارضة تنبح ولا تعض.. والفرق بين نظام وآخر في مصر هو عدد الكلاب التي يسمح لها بالعواء والنباح.. هناك نظام لا يسمح لأي كلب بالعواء.. ونظام يسمح لمائة كلب.. ونظام آخر يسمح لمليونية كلاب.. لكن الأداء لكل الأنظمة واحد.. القافلة تسير والكلاب تعوي.. انبحوا ما شاء لكم النباح مادمتم بلا أنياب تعض.. انبحوا ما شئتم ونحن نفعل ما نشاء.. اتركوا لنا الفعل وقولوا ما يحلو لكم.. علي طريقة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما تولي الخلافة في بداية حكم الأمويين.. فقد قالوا له ان قوما ينتقصونك ويخوضون في بني أمية.. ويطعنون في أحقيتكم بالخلافة.. فقال معاوية: لا أريد أن أعرف من هم.. ولن أشغل نفسي بهم.. فقد صار السلطان لنا وقضي الأمر.. يا ابن أخي.. اننا لن نحول بين المرء ولسانه ما دام لا يحول بيننا وبين سلطاننا.. "يعني احنا ركبنا خلاص.. فليطالبنا الناس بالنزول أربعا وعشرين ساعة.. ماداموا غير قادرين علي إنزالنا.. فليقولوا "للصبح": ارحل.. ارحل ماداموا لا يستطيعون ترحيلنا.. سيهدأ الشعب.. وسيصاب الناس بالإرهاق عما قليل.. سأغضب قليلا علي زوج أمي.. لكني سأهدأ بعد ذلك وأعتذر له وأغني: "مصر هي أمي.. وزوجها هو عمي"!!
نظرة
إذا قيل ان الانتخابات القادمة بالقائمة.. سيكون هناك خلاف كبير حول نوع القائمة وهل هي القائمة النسبية أم المطلقة أم "قايمة العفش".. وخلاف "القايمة" "حيبوظ جوازة أمنا".. ولن نجد من نقول له "يا عمي".. منكم لله.. حتي الأطفال أصابتهم عدوي القلق وانتهك المشهد الحزين براءتهم.. فقد فوجئت بحفيدي سيف ابن الثامنة مستغرقا في التفكير والبحث عن حل لهذا الانقسام المقيت.. وقال لي: "أنا عندي فكرة.. احنا نخترع آلة زي الخلاط.. نحط فيها كل المرشحين للرئاسة.. وتطلع لنا واحد فيه كل اللي احنا عايزينه.. علشان ما حدش يزعل ولا حد يعمل مظاهرات".. وبقدر سعادتي باهتمامه بالشأن العام كنت حزينا لأنه وغيره محرومون بسببنا من طفولتهم.. وقلت له: برافو عليك فكرة هايلة لكنني لم أقل له ان هناك مشكلة كبيرة سوف تصادفنا وهي التشكيك في الآلة نفسها.. وبالتالي فإن المنتج منها لن يعجب الناس وسيقولون ان الآلة "بايظة".. وربما يكون الحل هو استيراد هذه الآلة من الخارج.. لكن ستواجهنا مشكلة التشكيك فيمن استوردها.. وأظن ان الحل الأمثل هو أن يدير المباراة السياسية طاقم حكام أجنبي وساعتها لا يعنينا النظام الانتخابي سواء بالفردي أو القائمة النسبية أو القائمة المطلقة أو القائمة الأرملة أو "قايمة العفش".. "وجوازة أمنا سوف تتم".. مبروك يا عمي!!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.