بدأت التوترات قبل عدة أشهر بنظرات ريبة من الجيران.. بعد ذلك تحول الامر الى تهديدات ثم هشمت سيارتهم وكتبت عبارات طائفية مسيئة على بابهم. في ذلك الحين قال مالك العقار ان الوقت حان لرحيل عائلة خالد السنية عن حي كرم اللوز الذي تسكنه أغلبية علوية شيعية في مدينة حمص وهي المدينة التي دمرت فيها العلاقات الطائفية بعد 11 شهرا من الانتفاضة ضد حكم الرئيس السوري بشار الاسد. قال خالد الذي كانت أسرته الفقيرة المكونة من سبعة أفراد تعيش في هذا الحي منذ 15 عاما وحتى الشهر الماضي "عندما فررنا.. كنا نعامل كمجرمين... حمص ضحية للثورة السورية." وحتى قبل أن تبدأ القوات الحكومية قصفا مدفعيا للمناطق التي تسكنها أغلبية سنية في حمص قبل نحو ثلاثة أسابيع لمحاولة القضاء على المعارضة كانت المدينة مقسمة طبقا لاعتبارات طائفية. ويخشى البعض ان يكون هذا نذيرا بحرب أهلية. وأذكى القصف والقتل والخطف الغضب والخوف بين الاغلبية السنية والاقلية العلوية مما دفع السكان الى الفرار واللجوء الى مجموعات من نفس طائفتهم. ويقول عمال اغاثة انهم لا يعرفون تحديدا عدد النازحين السوريين من مناطق مضطربة مثل حمص التي يسكنها مليون نسمة ويقدرون أنهم بالالاف. من يملك المقدرة المادية فيمكنه التوجه الى العاصمة دمشق. لكن أغلبهم مثل خالد وأخوته الذين يكسبون قوت يومهم من أعمال الطلاء أو قيادة سيارات الاجرة. وهم يفرون الى قرى أو أحياء مجاورة تنتمي لنفس الطائفة. وقال خالد (30 عاما) في مكالمة هاتفية من حمص "من الان فصاعدا لن نحاول أبدا أن نعيش في منطقة خارج 'أحيائنا'." وشأن خالد شأن كل السكان الذين أجرت معهم رويترز مقابلات فقد طلب عدم نشر اسم عائلته خوفا على سلامته الشخصية. كان سكان حمص يتجاهلون أو على الاقل لا يتحدثون جهرا عن الاختلافات الطائفية لكن قادة الانتفاضة ضد حكم عائلة الاسد العلوية الذي استمر أكثر من 40 عاما هم من السنة مما جعل التوترات التي ظلت خافية لزمن طويل تظهر على السطح. ويشعر الكثير من السنة بالريبة تجاه العلويين. وكانت عائلة الاسد تمنح العلويين أغلب المناصب القيادية مما منح الطائفة الشيعية نفوذا لا يتناسب مع عدد أفرادها الذين يمثلون نحو عشرة في المئة من السكان. ويخشى العلويون من أنهم سيصبحون لا محالة هدفا لغضب السنة أيا كانت المواقف التي يتخذونها. يشعر أبو أحمد (33 عاما) وهو علوي بنفس مخاوف خالد السني فيما يتعلق بالعيش وسط طائفة أخرى غير التي ينتمي لها. فر من حمص متوجها الى ميناء طرطوس حيث يمثل العلويون أغلبية. وقال "أعتقد أن ثلث العلويين من حمص موجودون الان هنا في طرطوس.. هناك الاف العلويين في طرطوس والقرى المجاورة." كان أبو احمد وهو متزوج من سنية ولديه طفلان رجل أعمال ثريا يعيش في حي الانشاءات الذي كان حيا للاثرياء تسكنه أغلبية سنية في حمص. أغلق مطعمه ومصنع الرخام بسبب الاضطرابات وغادر المنطقة قبل عدة أشهر عندما تلقى تهديدات عبر البريد الالكتروني وتحذيرات مكتوبة كانت توضع تحت باب منزله. وجاء في احدى رسائل البريد الالكتروني التي تلقاها "حمص ليست لك. ومن الافضل ان تتركها بدلا من أن ترى ابنك برصاصة في رأسه." قال أبو أحمد "بعد ما حدث سأضحي من أجل أي علوي.. سوف أعرض عليهم المساعدة حتى ان لم أكن أعرفهم شخصيا... لماذا.. لاني أرى كيف يعاملنا السنة." ومضى يقول "علاقتي بزوجتي طيبة.. لكن من أجل طفلي كان من الافضل أن أتزوج من علوية." ويقول سكان ان الاحياء الواقعة بين مناطق السنة والعلويين تشبه مدن الاشباح. كما يفر المسيحيون من حمص التي كانت محورا للانتفاضة وكانت مستهدفة بشدة من قوات الامن السورية. وسكان مدينة حمص والمحافظة ذاتها يمثلون على الاقل ثلث ما يزيد على خمسة الاف شخص قتلوا في سوريا منذ اندلاع الانتفاضة. وقال نشطاء ان القصف الشديد هذا الشهر أسفر عن مقتل المئات وكثيرا ما يتصاعد الدخان من أحياء المدينة. حتى الاسر التي تعيش وسط طائفتها فانها تحاول الفرار من حمص. فر عابد (26 عاما) الى دمشق مع أبويه واخوته الاربعة قبل نحو شهر. وكان القصف والقتال يزداد حدة مع احكام القوات الحكومية تطويقها لحي باب السباع الذي يمثل معقلا لقوات معارضة. قال عابد "كان الوضع سيئا للغاية لدرجة أننا بدأنا ننام في الردهات لاننا كنا نخاف جدا من احتمال اطلاق النار علينا من نوافذ غرفنا.. هكذا قتل جارنا... كنا نرى القناصة وهم يسيرون على الاسطح في الشارع وكان هذا يروعنا." بعد ذلك بدأت قوات الامن تداهم منزل الاسرة بشكل متكرر. وقال عابد انهم كانوا يهددون والديه ويفحصون أجهزة الكمبيوتر لمعرفة ما اذا كان أي شخص يبحث في محركات البحث عن كلمات منها "بشار" و"شهيد" و"ثورة". وكان والد عابد الذي يعمل في مجال مبيعات السيارات يدخر ما يكفي من المال للخروج بأسرته من حمص. وقال عابد "أعتقد أن نصف السكان في الاحياء السنية المجاورة تركوا المكان... كان كل ما يمكننا أخذه معنا هو الملابس وكنا من المحظوظين... فمن لا يملكون شيئا مضطرون للبقاء والمكوث في منازلهم." وفي طرطوس يفكر أبو أحمد في منزله القديم لكنه يخشى ألا تتسنى له فرصة العودة قبل سنوات. وقال "الوضع في حمص سيستمر هكذا لزمن طويل. لن نرى نهاية سريعة لهذا الوضع." ومنذ أن ترك منزله اتصل به الجيران ليبلغوه بأن منزله نهب. كما أن ابن عمه الذي خطف قبل أشهر ما زال مفقودا. وقال متنهدا "تعرضنا للظلم فحسب بسبب انتمائنا لنفس طائفة النظام." ومضى يقول "عائلتي تعيش في الانشاءات منذ 150 عاما. لقد ولد والدي وجدي هنا... لكني لا أجرؤ على العودة.. هذا مؤلم بالنسبة لي. أنا ابن حمص."