أحدثت قصيدة "صلوات فى هيكل الحب" للشاعر التونسي أبوالقاسم الشابى ثورة عارمة فى عالم الشعر العربى عند نشرها على صفحات مجلة " أبوللو" فى عدد أبريل عام 1933 وتبدو ملامح هذه الثورة جلية من عنوان القصيدة الذى يأتى من المعجم الدينى " صلوات... هيكل" وما تحمل كلمة صلاة من تقديس وروحانية تبعث فى النفس الهدوء والطمأنينة وتؤكد معانى تقديس الحب وسمو العاطفة عند الشابى وكل شعراء مدرسة أبوللو الرومانسيين وهو ما نجد أثره فى قصيدة للشاعر الكبير محمد حسن اسماعيل الذى يبدو تأثره بقصيدة أبو القاسم الشابى واضحاً عليه بداية من عنوان القصيدة " أنت دير الهوى وشعرى صلاة". 1 يقول الشابى عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباحِ الجديدِ كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ أول شئ يجذبك فى مطلع قصيدة "صلوات فى هيكل الحب" وهو تلك الكلمات المشعة الموحية التي تأنق الشاعر في اختيارها حيث تشيع تلك الكلمات جوًا من الإحساس الرحيب بالجمال والطهر والنقاء والبراءة،تلك الأحاسيس التي ولع الشابي بإشاعتها في شعره ، وقد كثرت هذه الألفاظ في أبيات القصيدة فتتجمع كل هذه الألفاظ "العذوبة" "الطفولة" "الأحلام " "اللحن" "الصباح الجديد" "السماء الضحوك" "الليلة القمراء" "الورود" "ابتسام الوليد" وكلها تتوارد على الإحساس بالجمال البرئ الوديع الغض الذي لا تكاد تحده حدود مادية ملموسة ... والشاعر هنا استخدم سمة من اهم سمات بناء القصيدة العربية الحديثة وهو ما يسمي " القيمة الإيحائية للألفاظ"1" 2 يصف ابو القاسم الشابى - ذلك الفتى الصغير الذى نشأ عليلاً بمرض فى قلبه مات بسببه وهو في الخامسة والعشرين - حبيبته الصغيرة التى أخذها الموت منه فيقول: أنت..أنت الحياة في قدسها السامي وفي سحرها الشجيّ الفريد أنت.. أنت الحياة في رقة الفجرِ وفي رونق الربيع الوليد أنت .. أنت الحياة كل أوان في رواء من الشباب جديد أنت.. أنت الحياة فيكِ وفي عينيك آيات سحرها الممدود أنت دنيا الأناشيد والأحلام والسحر والخيال المديد أنت فوق الخيال والشعر والفن وفوق النهى وفوق الحدود إنه يتحدث عن حبيبة تكاد تكون خيالية، حبيبة تتفرد بسمات وصفات أقل ما توصف بها أنها لا توجد فى بشر، حتى عندما يصفها وصفاً حسيا لا يتحدث عن إنسانة حية من لحم ودم حيث يقول: خطوات سكرانة بالأناشيد وصوت كرجع ناى بعيد وقوام يكاد ينطق بالألحان في كل وقفة وقعود كل شيء موقع فيك حتى لفتة الجيد واهتزاز النهود ومن شوقه إليها وتعلقه بها كرر " أنت" فى قصيدته سبع مرات متتالية وخمساً متفرقة لأنه يجد لذة واستمتاعاً فى التوجه بالخطاب إليها، فهى ملء حنايا قلبه، وملء حنايا قصيدته حتى إنه يتمنى الحياة فى ظل حبيبته فيقول: فدعيني أعيش في ظلك العذب وفي قرب حُسنك المشهود عيشة للجمال والفن والإلهام والطهر والسنَى والسجود عيشة الناسك البتول يناجي الرب في نشوة الذهول الشديد إن ورح التقديس والتطهر والسمو تسيطر على أبو القاسم الشابى الذى يخلص لنا فى نهاية قصيدته أقدس معانى الحب فيقول: وحرام عليك أن تهدمي ما شاده الحسن في الفؤاد العميد وحرام عليك أن تسحقي آمال نفس تصبو لعيش رغيد منك ترجو سعادة لم تجدها في حياة الورى وسحر الوجود فالإله العظيم لا يرجم العبد إذا كان في جلال السجود هوامش 1- د. على عشرى- عن بناء القصيدة العربية الحديثة.