العالم شرقا وغربا يرقب ويقرأ بانبهار كتاب مصر المستقبل الزاهر الآتي.. المستقبل الذي اشعلت جذوته المقدسة ثورة25 يناير.2011 وبثورة الشباب هذه يستأنف الشعب المصري ممارسة رسالته الكبري وحرفته الاساسية وهي صنع الحضارة.. علي حد تعبير الدكتور حسين فوزي في كتابه الرائع سندباد مصري. وهي ثورة شعبية كاملة ومكتملة بكل المعايير السياسية والاعتبارات الفكرية فقد انخرط في غمارها منذ أطلق الشباب شرارتها النورانية وحملوا شعلتها المضيئة بالأمل في مستقبل أفضل وأجمل. وكان الشعار الأثير لثورة25 يناير موحيا وعميقا ومدركا لحقيقة جوهرية وهي ضرورة اسقاط النظام السلطوي القائم علي قاعدة البطش وأسنة حراب الدولة البوليسية ذلك أن ذاك النظام كان أس الفساد وأصل البلاء ومن هنا كان النداء الشعب يريد إسقاط النظام. ولم تلن عزيمة ثوار25 يناير أمام مناورات الترهيب الدموي ولا الترغيب السلطوي.. واكدوا بعزم وحسم لا تفاوض إلا بعد الرحيل. وانتصر الشعب وأسقطت الثورة النظام في سياق أروع ثورة سلمية في تاريخ مصر المعاصرة وربما في تاريخ الدنيا بأسرها. المشهد المصري في ميدان التحرير في قلب القاهرة وفي كل ميادين محافظات الوطن كانت جماعة أبوللو المصرية تحلق حوله. وأبوللو ليس اسما حركيا لجماعة سرية وانما كان عنوانا لجماعة شعرية كانت تضم ابرز شعراء مصر في الثلاثينيات من القرن العشرين.. وكانت تستهدف التجديد والابداع. مجلة أبوللو وكان شاعر شاب تونسي اسمه أبو القاسم الشابي قد أرسل الي مجلة أبوللو قصيدة فبادرت المجلة بنشرها في عدد ابريل عام1933, وهو ماأثلج قلب الشاعر وشجعه علي ارسال قصائد أخري للمجلة. وفي عام1943 نشرت مجلة أبوللو للشابي قصيدته الشهيرة إرادة الحياة ويقول مطلعها: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر وأضحي مطلع القصيدة ملهما ودوي مجددا في تونس في غمار الثورة التي اطاحت بالطاغية زين العابدين بن علي ونظامه البوليسي القمعي الذي استمر23 عاما.. غير أن العبقرية المصرية وان كان يمكن القول انها استلهمت مطلع قصيدة الشابي إلا انها ابدعت شعارها الاثير الشعب يريد إسقاط النظام وصار انشودة ثورة25 يناير. ثلاثون عاما وهنا يتقدم الاستاذ القدير رجاء النقاش وهو من أروع وأنبل المثقفين المصريين. لقد كان حاضرا في ميدان التحرير رغم الغياب, كان يطل مزهوا وفرحا بثورة الشعب, ولعله كان يحمل معه كتابه عن الشابي الذي سماه أبو القاسم الشابي.. شاعر الحب والثورة.. وكان الاستاذ النقاش قد أفرد للشاعر فصلا رائعا في كتابه الموسوعي ثلاثون عاما مع الشعراء. ويشير رجاء النقاش الي ملمح مهم في شعر الشابي عندما يقول ان الشابي في حقيقته واحد من الشعراء الكبار الذين يملكون صفة الحضور المتجدد في كل العصور. ويضيف الاستاذ النقاش موضحا ومفسرا أن الشابي كان شاعرا رومانسيا, وهي رومانسية نقية وليست رومانسية مفتعلة.. والحق ان الشابي نغمة من أصفي وأنقي النغمات الرومانسية في الادب العربي المعاصر كله ليس فيها كذب ولا تزويق ولا تزوير ولا تنازل عن كرامة الحزن وعزة الاسي والشجن, وبذلك فإن النغمة الرومانسية عند الشابي تظل قادرة علي التأثير والايحاء حتي في عصرنا الواقعي. وانطلاقا من هذا الحضور المتجدد للشابي قد يمكن انه كان حاضرا في صحبة ثوار25 يناير. وربما كان يهتف معهم شعارهم الأثير الشعب يريد اسقاط النظام. نعم.. اذا الشعب يوما أراد اسقاط النظام فلابد أن يستجيب القدر.