أكتب هذه السطور بعد أن أعلنت المؤسسة العسكرية الموافقة على معظم مطالب ثورة الشعب المصرى بقيادة شبابها والتى بدأت يوم الخامس والعشرين من شهر يناير «كانون الثانى» 2011.. وتوالت الانتفاضات فى مؤسسات الدولة وفى المقدمة التليفزيون المصرى ثم المؤسسات الصحفية.. وبدأت انتفاضات أخرى فى مؤسسات أخرى حساسة مثل جنود الشرطة، وبعض البنوك وأماكن حساسة كثيرة فى أرجاء المدن والمحافظات المصرية تطالب بالثورة على الفساد والمحسوبية. وهنا يحق لى كمواطن مصرى عاش فى مصر ما يقرب من ثمانين عاما وعايش العهد الملكى وعصر ثورة يوليو، وعمل فى ظل الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك، يعمل فى مهنة مقدسة وهى مهنة الصحافة ويؤدى رسالتها بالمهنية والشرف. وارتبط بمؤسسة صحفية اشتهرت بموقفها المؤيد للشعب ضد الحكومات التى جاءت فى ظل الاستعمار البريطانى وألغت الدستور أو عطلته فى بعض الأحيان، وحكومات ثورة يوليو التى أعطت القانون إجازة، ثم فصلت الدساتير لتعطى الحاكم جميع السلطات، ولتجعل من الشعب رعية خائفة ولا مبالية، وتلهث دائما من أجل لقمة العيش وتربية الأولاد، والعيش فى خوف دائم ومستمر حتى أصبح الخوف جزءا لا ينفصل عن سلوك الإنسان المصرى، ومن يعلو صوته ولو مرة واحدة، أو طاف بذهنه بادرة تمرد يزج فى السجون ولا تعرف أسرته أين هو أو لماذا أخذوه؟! وأحيانا يقصى من منصبه ويعطى منصبا آخر بعيدا عن صنع القرار. حكومات ثورة يوليو 1952 منذ تولى محمد نجيب رياسة الجمهورية، ثم عبدالناصر، ومن بعده السادات ثم محمد حسنى مبارك.. الجميع قدموا تجارب متفاوتة، وصنعوا مواقف خارجية وداخلية متفاوتة أيضا، ولكن الجميع اتفقوا على الانفراد بالسلطة وتهميش دور الشعب لدرجة أن شباب عام 1968 عندما ثاروا كان هتافهم «البلد دى بلدنا»، فقد حرص ثوار يوليو على اختطاف مصر من الشعب والاحتفاظ بها لأنفسهم ولأقاربهم ومحاسيبهم. وارتفع فى ذلك الزمان شعاران واحد يقول «لا صوت يرتفع على صوت المعركة» ومفهوم ضمنا معنى هذا الشعار وهو ألا أحد يتكلم أو يناقش أو يحاور أو يجادل! والشعار الثانى كان هو فى المفاضلة بين أهل الثقة وأهل الكفاءة. واختارت حكومات ثوار يوليو أهل الثقة ونبذوا أهل الكفاءة، الذين هاجروا إلى البلاد الأوروبية والعربية وإلى أمريكا وكندا. واستبد أهل الثقة بالعباد فى مصر وعم الفساد حتى بلغ ذروته وأعلن الدكتور زكريا عزمى فى مجلس الشعب، وكان نائبا عن الزيتون: إن الفساد فى المحليات وصل إلى الركب! واندهشنا جميعا كيف يعرف رئيس ديوان رئيس الجمهورية أن الفساد للركب ولا يصنع شيئا لا هو ولا الرئيس الذى يأخذ معلوماته منه؟! مفارقة غريبة! هكذا كان الحال ولا أريد الاستطراد فيه، ولكننى أحب أن أشير إلى أنه حدثت إرهاصات شبابية أيام الرئيس السادات، عندما ثار الشباب والعمال والمعروفة بثورة الخبز فى 17 و18 يناير ويومها وصف الرئيس السادات الثوار ب «انتفاضة الحرامية»! وأيضا إرهاصات أخرى فى أيام الرئيس حسنى مبارك عندما ثار رجال الأمن المركزى على الأوضاع الفاسدة، وأيضا عندما تظاهر عمال المصانع التى بيعت لمستثمرين حرصوا على فصل العمال وبيع الأصول بمبالغ تفوق ما دفعوه فى تلك المصانع! المهم.. أريد فقط التذكير بما مضى لكى أصل إلى القول بأن الأعوام التى امتدت من 1952 وحتى 25 يناير لعام 2011 وهى تبلغ ما يصل مجموعه إلى 59 سنة كانت مليئة بالعمل وبالأخطاء، وربما كانت الأخطاء أكثر، وكان السبب الرئيسى فى كل ذلك أن السلطة انفرد بها الحاكم، والحاكم لم يكن يتابع أو يحاسب، إنما يعين ويقيل حسب ظروفه ورغباته وإرادته، لدرجة أن الديمقراطية التى نادى بها الرئيس السادات كانت ديمقراطية صورية، وعندما ناقشته وتجرأت على الحوار معه انقلب عليها! ثم بدأ العصر الذى عشناه جميعا فى الثلاثين سنة الأخيرة، وله الفضل كل الفضل فى التمهيد لثورة 25 يناير. ذلك أن الفكر الجديد ومحاولة مواكبة ثورتى المعلومات والتكنولوجيا جعلت الرئيس مبارك وابنه جمال مبارك يتخذان القرارات التى مهدت لثورة 25 يناير لعام 2011. فمنذ الكارثة التى حدثت فى الأقصر عام 1997 التى قام بها قوم لا نعرفهم بالهجوم على السواح وقتلهم ثم تقطيع أجسادهم والتمثيل بها، ثم القضاء على من قاموا بهذا الهجوم البشع ونشر تفاصيله فى جميع أرجاء الدنيا بالصورة والكلمة لدرجة أن تقاطع الدنيا مصر، وأشهد أن الرئيس مبارك بذل جهودا جبارة فى ذلك الوقت حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه. وهنا يحق لى أن أذكر القارئ بما جرى فى مصر يوم أن دعا الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى سياسة الانفتاح الاقتصادى. وأطرح سؤالا مهما: ماذا كانت أول مظاهر الانفتاح الاقتصادى؟ إن كنتم لاتذكرون فإنى أقول لكم أن أول مظاهر الانفتاح الاقتصادى كانت عودة افتتاح كازينو القمار فى فندق شيراتون القاهرة، وكان قد تولى إدارته شاب عربى لبنانى اسمه سامى الزغبى. وبعدها بأسبوع زار مصر السيد ديفيد روكفلر وهو واحد من 25 عائلة تحكم أمريكا والعالم، وتم افتتاح فرع بنك «سيتى بانك» فى القاهرة وهو البنك الذى يرأسه ديفيد روكفلر! أما لماذا عودة افتتاح كازينو القمار فى شيراتون القاهرة والفنادق الكبرى بعد ذلك، ولماذا افتتاح بنك أمريكى فى القاهرة. فذلك لسبب جوهرى وهو أن سياسة الانفتاح الاقتصادى فى مصر كانت تعنى الانفتاح على الغرب وربط مصر بالدولار الأمريكى، وأمريكا بالطبع كانت لها أدوار سابقة قامت بها فى أمريكا اللاتينية وفى أوروبا وهى تقوم بمقاومة الشيوعية والاتحاد السوفيتى، وبسقوط الاتحاد السوفيتى انفردت أمريكا بالقوة العالمية، وحاولت القارة العجوز أوروبا الوقوف أمام قوة أمريكا بإنشاء الاتحاد الأوروبى وشاهدنا فى السنوات العشرين الأخيرة دولا كانت شيوعية تحولت إلى الرأسمالية وانضمت إلى الاتحاد الأوروبى وإلى حلف الناتو! وأصبح العالم منذ نهاية القرن العشرين محكوما بقوة عظمى هى أمريكا، ويقف إلى جوارها عنصران مهمان رعتهما أمريكا وجعلتهما قوى لاعبة على المسرح السياسى الدولى. القوى العظمى اليوم على المسرح الدولى ثلاث هى أمريكا ويساعدها الإرهاب وألمانيا. أما ألمانيا فقد ربتها ورعتها أمريكا فى حضنها منذ أوائل القرن العشرين. وأما الإرهاب فقد ربته أمريكا ورعته فى أفغانستان منذ الثمانينيات عندما احتضنت عناصر الجهاد الإسلامى وأنشأ تنظيم القاعدة برياسة بن لادن ود.أيمن الظواهرى وآخرين. أسوق هذه المعلومات لكى أخلص إلى الحقيقة بأن ثورة الشباب التى أعادت الروح إلى مصر ونزعت الخوف عن المصريين يتهددها عناصر منتشرة فى العالم العربى بعد احتلال العراق. الإرهاب والمافيا منتشران فى العالم العربى ويتربصان بكل بادرة تلوح للخروج عن سيطرة أمريكا. لا أقول هذا خوفا، ولكن لنأخذ الحذر من الذين يمكن أن يندسوا بيننا ويكونوا ممثلين للإرهاب وللمافيا. والذى ذكرنى بهذه المخاوف تلك الإرهاصات التى بدأت منذ يومين فى البنوك وفى بعض المؤسسات فمن يدرينا أن يكون بين المحرضين مندسون من ألمانيا ومن نظام الإرهاب الذى ترعاه أمريكا. لهذه الأسباب أضع أمام من بيدهم شئون إدارة هذه البلاد النقاط التالية: أولا: مصر دولة عظمى لموقعها الاستراتيجى من العالم وهى مطمع لكل من يحاول الهيمنة على العالم والسادات قال إن 99% من أوراق اللعبة السياسية الدولية فى يد الأمريكان، وأضاف الرئيس مبارك قائلا: لا ليس 99% فقط، بل إن 100% من أوراق اللعبة فى يد الأمريكان، ولهذا بقى فى الحكم 30سنة. ثانيا: بناء مصر جديدة عملية ليست سهلة بل هى صناعة ثقيلة تحتاج إلى أسس متينة تنهض عليها، وإلى يقظة تامة ساعة بساعة بل دقيقة بدقيقة. فالمتربصون بمصر كثيرون وهم قابعون فى الظلام ويتحركون بسرعة الآن لكى لا يتركوا للجيش وقيادته فرصة للتفكير والتدبر والتدبير، ولكى يربكوا الشارع المصرى بالمظاهرات والاعتصامات للمطالبة بمطالب فئوية ومادية، وكلها موضوعات تدخل تحت بند تحقيق العدالة الاجتماعية! وإذا ثبت قيادة الجيش شعار ثورة 25 يناير فهى تتبنى كل مطالب الشعب المصرى فى التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية. ثالثا: لتحقيق شعار ثورة 25 يناير 2011 يتعين اتخاذ قرار عاجل بتعيين حكومة تمارس الأعمال السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويكون لهذه الحكومة ممثلون فى جميع مؤسسات الدولة حتى يمكن أن تكون هناك قنوات اتصال ترفع مطالب الشعب فى مؤسسات الدولة أولا بأول ويوما بيوم. وكما قام شباب 25 يناير بتكوين لجان شعبية فى الأحياء وفى الشوارع نظمت المرور، وحمت البيوت من البلطجية الذين أطلقهم وزير الداخلية ووزير الإعلام السابق وبعض رجال الحزب الوطنى الذين سرقوا أموال الشعب وأحلامه، أطالب بتكوين لجان ثورية فى داخل المؤسسات تتصل مباشرة بالوزير المختص وترفع له تقريرا يوميا بما يجرى فى الشارع وفى المؤسسات وفى المدن والقرى والنجوع والدساكر. فثوار 25 يناير 2011 يطالبون بحقهم فى معرفة كل شىء وأن يؤخذ رأيهم لأنه أصبح للمصرى اليوم صوت مرتفع يعلن فيه الثورة على الفساد والإهمال والتراخى واللامبالاة. لقد أصبح اليوم جميع أبناء الشعب المصرى شركاء فى الوطن يعملون من أجله ومن أجل بناء مستقبل جديد. رابعا: لابد من الاستماع اليوم للشباب، فقد أظهر العالم لنا حرصه الشديد على الوجود المصرى صاحب الحضارة العريقة، وليعلم الشباب المصرى أصحاب ثورة 25 يناير أن حضارة مصر تختلف عن كل حضارات العالم بأنها كانت حضارة المعرفة والاكتشاف. العالم ينظر إلى مصر اليوم ويتوقع الكثير لذلك يجب الارتفاع إلى مستوى توقعات العالم من أبناء مصر. وعلى ثوار 25 يناير أن يرفعوا شعار «خليك صاحى» علشان تتحقق مطالبك المشروعة. لقد عرف الشعب قوته ولذلك علينا أن نعرف تماما الإجابة على السؤال: ما هو التغيير الذى نريده؟ هل هو تغيير أشخاص أم تغيير مضمون؟ بالطبع نحن مع التغيير فى المضمون فالأشخاص زائلون أما المضمون فهو الباقى. خامسا: لقد خطف بعض أعضاء الحزب الحاكم مصر من أبنائها وأعادت ثورة 25 يناير مصر إلى أولادها. الطيور المهاجرة لابد أن تعود وأن يتوفر لها المناخ العام الذى يجعلها تبدع وتعمل وتبنى وتستغل الموارد والثروات المصرية فى البناء وخلق وظائف جديدة. سادسا: ليعلم الجميع فى مصر اليوم أنه ويل للظالم من شعب ثائر! ولقد ثار الشعب المصرى يوم 25 يناير فتعالوا نبنى مصر جديدة نفخر بها، ويقف الخلق جميعا ينظرون كيف نبنى قواعد المجد الجديد ونضيف إلى الحضارة الإنسانية حضارة مصر جديدة نقية!؟ شهداء الثورة الشهيد سيف الله مصطفى 16 سنة لم يشارك فى المظاهرات، ولكنه أصيب بعيار نارى فى 28 يناير خلال اقتحام قسم شرطة أول مدينة نصر وتوفى يوم 1 فبراير الشهيد مصطفى الصاوى أصيب بالرصاص فى الصدر والرقبة بميدان التحرير الشهيد أحمد بسيونى 31 سمة مدرس بكلية التربية الفنية - جامعة حلوان أب لطفلين سلمى وآدم، قتل فى ميدان التحرير الشهيد محمد عبد المنعم حسين 20 سنة توفى يوم الجمعة 28 يناير بعد إصابته بالرصاص فى الرأس والصدر الشهيد حسين طه 19 سنة طالب فى كلية الحقوق استشهد فى الاسكندرية يوم 28 يناير الشهيد أحمد أهاب 25 سنة تزوج منذ شهرين وأصيب بالرصاص فى 28 يناير وتوفى فى المستشفى يوم 3 فبراير الشهيد إسلام محمد بكير 22 سنة حاصل على ليسانس آداب قسم الحضارات الأوروبية توفى بعد إصابته بالرصاص الحى خلال «جمعة الغضب» يوم 28 يناير الشهيد محمد عماد حسين 23 سنة قتل بالرصاص يوم الجمعة 28 يناير فى منطقة جسر السويسبالقاهرة أصيب بثلاث طلقات فى كتفه وصدره ورأسه الشهيد محمد محروس 29 سنة مهندس ديكور قتل رميا بالرصاص أمام قسم شرطة الخليفة الشهيد كريم بنونة 29 سنة - مهندس - أب لطفلين عمر ومريم، أصيب بطلقة من بندقية قناص بميدان التحرير فى 3 فبراير