بعد أن شاهدت فيلم "الشوق"، مساء أمس الاحد، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أصابتني حالة من الغموض والكآبة الشديدة التي لا تنبع فقط من الاحداث التي تم سردها من خلال عائلة شديدة الفقر تعيش في مدينة الاسكندرية، وإنما الكآبة تنبع من أن الفيلم المصري الوحيد الذي يمثل مصر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال 34 هو فيلم لا يحمل بين طياته نوعا من انواع الدراما التي تجذب المشاهد فالتسلسل الذي يحدث داخل اطار قصة كان من الممكن جدا أن تكون أكثر امتاعا وتشويقا من خلال فيلم روائي قصير وليس طويلا، فالاحداث التي تم التطويل والمط فيها لتخرج لنا في مدة الفيلم المكون من 135 دقيقة من الأحداث التي لا تثمر عن نتائج ونتائج غير منطقية نابعة عن احداث ضعيفة جدا لقصة كان من الممكن جدا أن يكون بها العديد من الاحداث التي توصل المشاهد لمرحلة الامتاع البصري الذي هو في الاساس الهدف الاساسي للفن السينمائي. من داخل حارة شديدة الفقر تخرج إلينا عائلة لايختلف حالها عن المنطقة التي يعيشون فيها طفل مريض "سعد" ووالده سكير "سيد رجب" ووالدته "سوسن بدر" تقرأ الفنجان لاهالي الحي لتتكسب رزقها وبنتاها "روبي" و"كوكي" لا يفعلان شيئا طوال معظم احداث الفيلم إلا مجموعة المشاهد الاخيرة. يمكن تقسيم الفيلم لاربعة اقسام متساوية وهى مأساة الطفل الذي يتألم من الفشل الكلوي حتى الموت، وصولا لوالدته التي احترفت الشحاتة وهي تمشي في شوارع القاهرة وتتسول من الناس بطريقة الهجوم عليهم، وصولا لمرحلة كسر عين أهل المنطقة بالمال الذي جمعته والذي لم يظهر على الاسرة، المحور الاساسي للفيلم، أى نوع من انواع التطور الملحوظ سوى التليفزيون الذي جلبته لهم، الجانب الرابع وهو العلاقة التي تجمع كلا من "شوق" وشقيقتها "عواطف" مع اثنين من الشباب تعرفا عليهما من خلال الشارع لنلاحظ أن شوق تمارس الحب بدون أى نوع من الاستمتاع او الرغبة في ذلك وعلى النقيض شقيقتها التي تستمتع بالعلاقة، ليعلنا لامهما انهما باعا نفسيهما من اجل المال، ولم يشر الفيلم إلى أن العلاقة كانت مقابل المال مطلقا، كما أن مشاهد الحب التي جمعت الاختين مع صديقيهما لم يتم توظيفها بشكل درامي مقنع على الاطلاق وليس به أى خلفية درامية للدافع وراء الغريزة بهذا الشكل. فكل الاحداث تدور حول هذه السيدة التي هربت مع حبيبها لتتزوجه بعيدا عن اهلها الذين رفضوه وابنها يعاني من فشل كلوي ولا تستطيع علاجه على نفقتهم الخاصة وكأنه لا توجد مستشفيات مجانية في مصر لعلاج هذه الحالات وإن كانت هناك صعوبة للحصول على العلاج المجاني الا ان أهله لم يحاولوا في هذا الطريق على الاطلاق، لتذهبت والدته لاهلها وحين وصلت بعد عناء مشوار طويل تقف امام باب أحد البيوت الريفية في قرية بمدينة طنطا، وتفر هاربة مرة اخرى حين تتعرف عليها اختها دون اى تبرير على الاطلاق للهرب او محاولة اختها اللحاق بها.. فعدم منطقية الاحداث التي توغلت في الفيلم والسيناريو المهلهل وعدم الترابط بين الاحداث المختلفة اجتمعوا جميعا ليكونوا العنصر الاساسي لفيلم الشوق. التطويل في احداث الفيلم هو العنصر الاساسي السائد فيه فما الداعي بأن نشاهد حوالي ربع الفيلم مشاهد مكررة وهى تتسول في شوارع القاهرة دون وقوع اى تفاصيل جديدة على الاطلاق من خلال رحلتها كشحاذة وكذلك مرض الطفل الذي استغرق عددا كبيرا من المشاهد دون حدوث أى تطور ملحوظ في الحدث الدرامي سوى وفاته قبل وصول والدته بالمال. ومن المشاهد غير المنطقية على الاطلاق وهو حين كانت تتجول "أم شوق" للشحاذة تعرف عليها شاب من سكان المنطقة التي تعيش فيها وتعرف عليها دون أن تعرفه لتكتشف أن ابنتيها عرفتا أنها احترفت الشحاذة فكيف عرفت ابنتاها. وخلا الفيلم تماما من أى نوع من الابتسام او على الاقل الهدوء من الاحداث التي تصيب بالملل والرتابة فالاحداث البطيئة المشحونة جميعها بالفقر دون التطرق لاى أحداث جانبية على الاطلاق ليحدث نوع من التنوع الدرامي خلال احداث الفيلم. الجدل الذي اثير حول الفيلم لا يوجد له أساس من الصحة على الاطلاق فالفيلم خال تماما من المشاهد التي قد يعتبرها البعض اباحية أو عريا أو ما إلى ذلك لانه في الاساس لا يسير على درب الافلام التجارية وخال تماما من كافة المشاهد التي تخدش الحياء العام او تجرح مشاعر الاخرين وأن ما اثير حوله قد يكون مجرد زوبعة في فنجان لا أساس لها. سوسن بدر هذه الفنانة التي في كل مرة يتم اعادة اكتشافها الفني من خلال عمل جديد في هذا الفيلم قدمت شخصية جديدة عليها بالرغم من القرب في التفاصيل بين هذه الشخصية والتي سبق وجسدتها في مسلسل الحارة الذي عرض في رمضان الفائت إلا أنها قدمتها بأسلوب جديد ومقنع جدا لتحمل على اكتافها عبء الفيلم الروائي الطويل "الشوق" لتجسد دور "أم شوق" التي تعاني وتكافح من أجل تحويل مصير حياتها من الفقر المدقع إلى حياة تكون مختلفة إلى حد ما. روبي بالرغم من أن الفنانة روبي سبق وقدمت ادوارا سينمائية جيدة جدا من النواحي الفنية الا أنها وبكل صدق سقط منها هذا الفيلم، فلم تقدم فيه أى نوع من التمثيل على الاطلاق او اخراج أى نوع من الطاقات الفنية المختلفة لتقدم دورا باهتا لا يختلف كثيرا عن دراما الفيلم. ميرهان - كوكي الشقيقة الصغرى لروبي او لشوق ضمن أحداث الفيلم لم يكن دورها بالحجم الذي يمكن أن نقول عليه انه دور سينمائي فقد قدمت قصة خاوية من التفاصيل الدرامية أو التمثيلية فمن المبكر جدا أن يتم الحكم عليها فنيا. اجمالا هو فيلم قد يحقق عددا من الجوائز أو لا لكنه فيلم كان من الممكن أن يكون ناجحا جدا لو كان روائيا قصيرا بدلا من هذا الجهد الذي بذل في انتاج فيلم روائي طويل خاوٍ من الاحداث الدرامية فكان يحتاج إلى ما يسمى ب"الدراماتورجي" وهو من لديه القدرة على شد اوتار الأحداث الدرامية ليجعل منها عناصر تشويق وامتاع بصري.