غريبة هي تلك الحياة عندما نشعر بأننا نملكها، تملكنا، نُعارِكها، تُعارِكنا، فتصفعنا لنفيق على واقع أننا كنا موهومين، نعاندها تعاندنا، لكنها تنتصر في النهاية. والأغرب منها ذلك الموت الذي يأتي فجأة ليهدم كل الأحلام ويفرق كل الأحباب، لكنه قدر، فكما قال الشاعر: للموت فينا سهامٌ غير مخطئة، من فاته اليوم سهم لم يفته غداً. بالأمس القريب ودعنا زميلاً عزيزاً علينا بجريدة "نهضة مصر" لم يكن مجرد زميل بل كان صديقا وأباً ومستشارنا بحكم أنه يكبرنا بأكثر من 35 عاماً، وبحكم سنه هذه كان أكثرنا خبرة بالحياة ودائماً ما طلبنا منه المشورة في كل ما يعنّ لنا من مشكلات. وفجأة الأسبوع الماضي جاءني الزميل رضا عبد الله وقال لي البقاء لله، فانتفضت من مكاني وبادرته بالسؤال: فيمن؟ فقال عمك عبد الرحمن مات، وهنا توقف عقلي عن التفكير واغرورقت عيناي وخارت قواي ولم أدر ماذا أفعل، أأصرخ أم أبكي، تمنيت لحظتها أن أذهب إليه أودعه، لكنني لم أكن أعرف أين توفي فقد كان مريضاً في آخر أيامه، وسألت رضا كيف عرفت الخبر قال إن الزميل فارس رجب جاءته رسالة على هاتفه المحمول بأن الحاج عبد الرحمن في ذمة الله، ثم بعدها بساعة أتتني نفس الرسالة علي هاتفي، هنا صدقت أنه مات. رحل عم عبد الرحمن ولم يترك لنا سوى المرارة على فقدانه، رحل ولم يترك لنا سوى سجادة الصلاة التي كان يؤمنا عليها بالجريدة للصلاة، رحل ولم يترك سوى تلك المسبحة التي لم تفارق يده، رحل وتركنا نهباً للذكرى، حادي الموت ناداه وتركنا في تيه اللوعة على فراقه، الكل حزين لموته فقد كان نعم الأب والصديق للجميع. سألت نفسي هل الموت مرعب،هل هو موحش، هل سكراته عنيفة، هل هو قاس، قالت نعم، إنه قاس لأنك ستترك ملذات الدنيا، وستترك الأهل والمال والأحبة والزوجة والولد. لكن ألا تدري أنك مهما عشت فإنك إلى الموت ستؤول، كل منّا يظن أن الموت منه بعيد فإذا هو يقرع بابه، ينتابنا الخوف من شئ نعرف أنه آتٍ ولن ينتظر منا استئذاناً. مات عم عبد الرحمن ونحن نعلم أنه في الآخرة تنتظره دار، فيها النعيم من الإله العزيز الغفار، ذهبتُ إلى نفسي أحادثها لماذا نُخطف ونموت فجأة؟ قالت: أعمار.