بعدما كان الفستان الأبيض حلم كل فتاة أصبح الآن كابوساً يراودها كل ليلة، فالفستان الأبيض لم يعد أبيض وجميلاً كسابق عهده بل أصبح يحمل في طياته بُقعاً ممزوجة بمشاعر الألم والحزن والعذاب وهي الضريبة التي لا بد أن تدفعها كل فتاة في طريقها لارتداء هذا الفستان. ففي زمننا هذا المليء ب"الفرافير" أصبحت كل فتاة تعاني الأمرين بدءاً من محاولة العثور على الشاب المناسب، وإن كانت سعيدة الحظ وعثرت عليه فيجب أن تتعثر في شيء ما، إما في ماضيه الأسود، أو في أهله المتسلطين، أو في إمكانياته المادية المحدودة، وهي أهون الاحتمالات. لقد خدعونا عندما قالوا إن الفتاة الطيبة بنت الناس المؤدبة يجب ألا تمر بأى تجارب عاطفية قبل الزواج كي يفتخر بها زوجها، وإن مرت بذلك يجب أن تدّعي ان زوجها هو أول حب في حياتها، بالرغم من أن هذا كذب وخداع لكن برره الكثيرون تحت مظلة "الغاية تبرر الوسيلة". لكنني في واقع الأمر لم أقتنع أبداً بهذا المبدأ فما العيب في أن تكون زوجتك ارتبطت من قبل؟ ما العيب أن تمر بتجارب قاسية تلقنها دروساً حقيقية في الحياة؟ فكيف للفتاة أن تعلم قيمة ما بيدها إلا إذا رأت الأسوأ أياماً عديدة؟ ولكي لا يفسر الكثيرون كلامي خطأ فأنا لا أؤيد العلاقات المتعددة، ولا أدعو الفتيات للارتباط ست مرات في السنة أى بمعدل علاقة جديدة كل شهرين، لكن كل ما أريده أن تخرج الفتاة من عزلتها ومن خوفها وتواجه المجتمع بكل طبقاته وبكل عيوبه وترتبط بمن يدق له قلبها، فما المانع أن تمر ابنتك أو صديقتك أو اختك بتجربة وتفشل فيها لتمر بالأخري حتى يوفقها الله لما تريده وتتمناه؟! فالحب مثل تعلم ركوب الدراجة لابد أن يتعثر المرء مرة واثنتين وثلاث قبل أن يتعلم كيف يحافظ على توازنه ويقود دراجته التي اختارها بكل ثقة واتزان، فلا تقلقي إذا وقعتِ في حب المتسلط العنيد العصبي، فتجربة مثل هذه ستزيدك حباً لنفسك وثقة بها، فكلما يري المرء عيوب الآخرين ويتأكد أنه خالٍ منها يزداد فرحاً بل ويحمد ربه على حسن طباعه، فهذا مكسب لك ودرس ثمين لن تتعلميه في المدرسة أو الكلية أو العمل. وبعد المتسلط العنيد العصبي، وهي صفات عادة ما تكون متصاحبة، لا بد وحتما ستحاولين تجنب هذه الصفات في رحلتك في البحث عن نصفك الآخر، لكن إن لم يحالفك الحظ ووقعتِ هذه المرة في الشكّاك؟ فلا تيأسي كذلك فهذا هو التسلسل الطبيعي فالشاب بعدما يمر بعدة تجارب وعلاقات غير سوية يصيبه مرض الشك خاصة عندما يقابل فتاة من أصل طيب فيظن على الفور أنها ترتدي قناع البراءة وتخدعه... وها هو درس جديد. وفي النهاية قد تقعين في حب شاب قد ترينه مثالياً متفاهماً، لكنك تكتشفين بعد تعلقك به أن أهله يرفضونك دون حتى أن يروكِ لمجرد أنك لست من اختيارهم، ولإيمانهم أن "الحب حاجة والجواز حاجة تانية" يجبرون ابنهم على الزواج ممن اختاروها لتبقي أنت وحيدة منكسرة في انتظار خبر ارتباطه بأخري في أى وقت. وفي هذه الحالة "تريثي ولا تتسرعي" كما يقول عادل إمام في مسرحية "الواد سيد الشغال"، وادعي الله ان ينير طريقك فقد ينقلب الحال بين ليلة وضحاها، لكن إن طال بك الانتظار ولم يتمكن هذا الشخص من حفظ عهده معك، فاقفزي من حسرتك وأفيقي من صدمتك واقبلي على الحياة مجددا، ولا تنسي أنكِ من وقع عليه الظلم فلا تظلمي نفسك مرة أخري، وتذكري أن حزنه وحداده عليك سيكون قصيراً فلو كان طويلاً وموجعاً ومكلفاً لما تخلى عنك من البداية ولكان حارب من أجلك. لا تسمحي لشبح الهم والحزن أن يسيطر عليك ويترك آثاره البغيضة على وجهك ويوهن جسدك، وتأكدي أنه بالرغم من تجاربك القاسية، فهناك شخص ينتظرك. قد يكون هذا الشخص حولك الآن أو في طريقه إليك... قد يكون يراكي الآن أو ليس بعد... قد يكون هو ذات الشخص الذي فرق أهله بينكما أو ليس هو... وسواء كان هذا أو ذاك فدائماً تذكري قوله تعالي: "ولَقد خلَقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"، فالله يعلم ذوات صدورنا ومدي اشتياقنا للعثور على نصفنا الثاني في الدنيا كما يعلم قوة إيماننا وكرهنا للمعاصي وإن وقعت. وهذه الآية تذكرني كذلك بقوله تعالي: "ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم"، فلو أدرك الجميع معني هذه الآية لاطمأنت القلوب، فالله نهي الرجال عن مواعدة النساء سراً بالزواج لما له من مخاطر كثيرة وسبيل قوي للشيطان لأن يدخل بينهما، هذا إلى جانب الأذي النفسي الذي يتركه في نفس الفتاة والذي لا يداويه إلا الزمن والإيمان. وللتأكيد أنا لا أدعو للانفتاح كالغرب ولكن كل ما أحلم به هو أن نعيش حياة بسيطة خالية من العقد النفسية التي يمتليء بها مجتمعنا، فنحن نعشق المظاهر فالعيب لا يكون عيباً إلا أمام الناس، والمخجل أننا ننتقد الغرب لارتكابهم المعاصي ذاتها التي نرتكبها نحن لكن في السر أو خلف الأبواب المغلقة، فإن كان الغرب مبرره عاداته وتقاليده فما هو مبررنا؟! وكالأفلام العربي القديمة التي عادة ما تنتهي بالنهايات السعيدة، انهي مقالتي بوميض من التفاؤل، فبالرغم من أعرافنا العقيمة ومعتقداتنا الخاطئة فمازال لديك متسع من الوقت لتتخلصي من همومك وأحزانك. وتذكري دائما قول الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: "أحبى نفسك .. جمّليها .. دلّليها .. غارى عليها .. اهديها ما كنت تبخلين به عليها لتهديه الى من تحبين .. خصصى لها من الوقت ما لم تكونى فى الماضى تملكين .. أعديها للحب دون أن تخبريها بذلك". فالدنيا وإن قست عليك كثيراً فلا تكوني أشد قسوة على نفسك منها، وتخلصي من بقع أحزانك وآلامك ليكون فستانك ناصع البياض أمام من يستحقك ليلة عُرسك.