في 14 أغسطس الماضي كانت الإنسانية على موعد من مجزرة ترجع في همجتها ووحشيتها إلى القرون الوسطي، حيث سقط آلاف الشهداء والمصابين بميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" برصاص الانقلابيين الذين أزعجهم صوت الحرية والكرامة الذي كان يخرج من هذه البقاع. على مدار 46 احتشد أنصار الشرعية في ميادين العزة والكرامة يدافعون عن شرف أصواتهم، حاملين أرواحهم على كفوفهم، ورغم غدرات الانقلابيين التي كان يصحبها الدماء في أحداث "الحرس الجمهوري"، و"المنصة"، "رمسيس1"، "بين السريات" إلا أن المعتصمين ظلوا متمسكين بسلميتهم وحريتهم معا. ورغم وصولنا إلى الذكرى الخامسة للمجزرة فإن نزيف الدم الحر لم يتوقف، ولا يزال أنصار الشرعية يخرجون بكل "رابعة" في مصر يهتفون ضد الظلم والغدر وينادون بالقصاص لرفقاء الدرب، فعشية ذكرى المجزرة خرجت مسيرات حاشدة في مليونية "الطلاب يشعلون الثورة" سقط فيها شهيدين بالفيوم (بلال بدوي) وبورسعيد (خالد موسى)، بالإضافة إلى عشرات الجرحى والمعتقلين. وفي خلال الشهور الخمس فقد طار اسم "رابعة"- جراء بشاعة مجازر الانقلاب الدموي- إلى الآفاق، من أفريقيا إلى اوروبا ومن أسيا إلى أمريكا، ماركة مسجلة للحرية والصمود وأيضا السلمية. كان كل ما يهم الطغاة هو أن يفضوا الاعتصام، وما علموا أنه مبنيّ في النفوس قبل أن يكون مبنيا في رحاب رابعة العدوية، وأن رابعة وأمثالها من الميادين حين احتضنتهم فتحت لهم مدرسة للفداء والوطنية والشهادة، حتى كان دم الشهيد في وعيهم أعلى صوتا من الرصاصة التي اغتالته، وأنه يحشد الناس بموته أكثر مما يحشدهم بحياته الفانية. لم يزعم "الربعويون" أن اعتصامهم غير قابل للفض، لكنهم يزعمون أن ما بناه الله في نفوسهم من حب الشهادة والصمود أمام زخات الرصاص، لن يهدمه البشر.